شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م03:14 بتوقيت القدس

قوانين تجريمه "مشلولة" رغم جهود مناهضته الضخمة..

نساءٌ يُكابِدْن "العنف" في ظل "طبطبة" رجال الإصلاح

12 ديسمبر 2019 - 09:11

غزة- خاص شبكة نوى:

في الثاني من كانون الأول/ديسمبر الجاري، صرَّحت الشرطة بغزة لوسائل الإعلام بتفاصيل مقتل فتاة تبلغ من العمر (31 عامًا) شمال القطاع، وقالَت: "إن والد الضحية دفنها وهي حية، وقد اكتُشِفت جريمتُه بعدَ شهرين".

التصريح الذي ذكرَ تفاصيلًا كثيرة حول الواقعة، تسبب بصدمةٍ للمواطنين، خاصة وأنه أكّد أن الفتاة دُفِنت في قِنٍ للدجاج يعود لعائلتها فجرَ 17 أيلول/ سبتمبر الماضي حيّة، وأن شك شقيقة الفتاة الصغيرة بالأمر دفعها للحديث عنه لإحدى مدرساتها، فتواصلت بدورها مع الشرطة التي تابعت الموضوع وكشفت النقاب عن تفاصيل الجريمة.

النفور العام الذي شهده التفاعل مع هذه القضية، ومن قبلها قضية مقتل (إسراء غريب) من بلدة بيت ساحور قرب بيت لحم على يد أفراد من عائلتها، يثير التساؤل "لماذا يستمر قتل النساء إذن؟"، ولماذا يستمر مسلسل العنف ضد النساء ليحصدَ أرواح 21 امرأة وفتاة، قُتِلن داخل الأراضي الفلسطينية منذ بداية عام 2019م؟

سُلطة عائلية "مجحفة"

إيمان "ق" شابة في مقتبل عمرها، بطلة -إن جازَت التسمية- فهي ناجيةٌ من العنف الأسري الذي استمرَّ يلاحقها منذ طفولتها إلى ما بعد زواجها، قالت لـ "نوى": "إن الثقافة الاجتماعية التي تفرض وصايةً من الأب والأخ والزوج على الفتيات لمجرد أنهن إناث، تعدُّ عاملًا أساسيًا في تقويض كل جهود المجتمع المحلي الرامية إلى مناهضة العنف ضد النساء".

وأضافت: "تعرضتُ منذ طفولتي للضرب على يد والدي وأشقائي ووالدتي كذلك، فما إن تخلّفت عن إعداد الشاي على سبيل المثال، أو تأخرت في العودة من المدرسة، أو قضيت وقتًا أطول مع صديقاتي أمام باب المنزل، حتى تنهال عليَّ الأيدي لتضربني، وكانَ والدي بارعًا في الضرب بحزامِهِ الجلدي".

إيمان: زوجوني لابن عمي بعدَ انتهائي من تقديم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، كنتُ أُضربُ على يده لأتفه الأسباب

منذ عمر 5 أعوام وحتى بلغت 17 عامًا، تعرضت إيمان للضرب بوسائلٍ عديدة على أيدي أشقائها ووالدها، وبعدَ زواجها لم يختلف الأمرُ كثيرًا.. باتت تُضرب على يد زوجها.

تابعت: "زوجوني لابن عمي بعدَ انتهائي من تقديم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، كنتُ أُضربُ على يده لأتفه الأسباب على مدار أربع سنواتٍ متواصلة، حتى أنه كاد يقتلني مرّةً عندما ضربني بعدَ إنجابي ابننا الثاني بيومين"، ليتوفى زوجها بعد ذلك في شجارٍ عائلي، وتنتقل سلطة التحكّم بحياتها وحياة أبنائها لأشقائها من جديد، زد عليهم إخوة زوجها (أسلافها) أيضًا.

تعرفت إيمان بالصدفة على محاميةٍ تعمل في مجال الدعم القانوني للنساء، فعرفت منها أن الحل الوحيد للخلاص من عذاب السلطة العائلية المجحفة هو "شكوى" في إطارٍ قانوني سليم، وبالفعل، استعادت ديّة زوجها من براثن أسلافها، ومنذ ذلك الحين لم يعد يتعرض لها بالضرب أحد، كما أنها تمكنت من افتتاح دكانٍ صغير تعتاش منه هي وابنيها.

وهذا ما لم تتمكن دُنيا (ع) التي تتعرض للعنف من قبل زوجها وعائلته بشكل شبه يومي، من تحقيقه رغم توجهها للشرطة.

دنيا: عندما أنهيتُ الجامعة زوجوني لرجلٍ من الأقارب، تعرضتُ على يديه لأبشع أنواع العنف الجسدي والجنسي

قالت: "أنا فتاة يتيمة الأب من أم جزائرية، بعدَ وفاة والدي رفضَ أعمامي أن تأخذني أمي إلى بلدها، وبقيتُ تحتَ رعايتهم في غزة، وعندما أنهيتُ الجامعة زوجوني لرجلٍ من الأقارب، تعرضتُ على يديه لأبشع أنواع العنف الجسدي والجنسي"، ملفتةً إلى أنها عندما شكته لأعمامها تنصلوا من مسئولياتهم تجاهها، فما كان منها إلا أن توجهت للشرطة التي حولت قضيتي للحكم العشائري. تعقّبُ على ذلك: "كنت أُجبر على العودة في كل مرة بضماناتٍ كاذبة تؤكد أن زوجي سيتغير للأفضل، لكن هذا لم يحدث أبدًا".

أما "دُنيا"، السيدة التي أصيبت بضغط الدم في عمرِ (34 عامًا)، أكّدت أن الاعتماد على الحُكم العشائري تسبب في ظُلمها مراتٍ ومرات، سيما في ظل تهرُّب الأقارب وتنصّل القانون من حمايتها، على حد قولها.

تتساءل: "هل يكفي أن أشاركَ بكل التظاهرات والفعاليات الداعية لمناهضة العنف ضد النساء وأنا عاجزة عن اقناع القانون بحمايتي؟ هل يجب أن يقتلني زوجي أو أقتله حتى تدرك الشرطة أنني أتعرض للعنف فعلًا؟ وأنني أستحق أن أحصل على الحماية اللازمة؟".

اختلاف الوعي الشُرَطي

بدورها، أوضحت مسئولة الاعلام ومنسقة المشاريع في مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة تهاني قاسم، أن جهود المؤسسات النسوية الدافعة تجاه مناهضة العنف ضد النساء، مستمرة بشكل جيد جدًا منذ عدة سنوات، "لكن الثقافة الاجتماعية التي تعدُّ ضرب النساء سلوكًا طبيعيًا، وحقًا لرجال العائلة، تسبب في تراجع تلك المجهودات، وجعل الوصول إلى نتائج ملموسة أمرًا غير هين".

قاسم : لا يوجد منظومة قانونية سليمة في فلسطين تُجرِّمُ العنف ضد النساء، أو تدينُ مرتكبه حتى الآن

وقالت في حديثها لـ"نوى": "لا يوجد منظومة قانونية سليمة في فلسطين تُجرِّمُ العنف ضد النساء، أو تدينُ مرتكبه حتى الآن، رُغمَ ملاحظتنا لتغير الوعي في مراكز الشرطة نتيجة التدريبات وورش العمل العديدة التي نفذناها بالشراكة مع أجهزتها المختلفة".

وأضافت: "كانت شكاوى النساء المُعنفات تصل مراكز الشرطة فلا تتلقى صاحباتها أي رد، لكن حاليًا باتَ هناك استجابة، حتى أن بعض مراكز الشرطة خصصت نساءً مدربات للتعامل مع حالات العنف الأسرى من النساء".

تلكَ الاستجابة التي وصفتها قاسم بـ "الجيدة" من قبل الشرطة، يمكن أن تصطدم بجيشٍ من رجال الإصلاح، الذين يتولونَ تلك القضايا على عاتقهم، ويـ"يطبطبون" فيها على المعتدي غالبًا -وفق قولها.

تضيف: "رجال الإصلاح يستندون على في تعاطيهم من قصص التعنيف على ثقافة اجتماعية بالية، ترى أن على النساء مواصلة الصبر حتى يكتب الله التغيير لأزوجهن نحو الأفضل"، مشدّدةً على أن إقرار قانون حماية الأسرة من العنف كفيلٌ بوضع حد لظاهرة العنف ضد النساء داخل المجتمع.

كاريكاتـــــير