غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
قضت الشابة مارلين أبو عون ليلة 14 نوفمبر 2025م تنقّل أطفالها الأربعة بين زوايا خيمتها المهترئة هربًا من مياه الأمطار التي غمرت خيام النازحين في منطقة ميناء القرارة غربي محافظة خانيونس، جنوبي قطاع غزة.
كانت السماء تهدر فوق رؤوسهم، فيما يتحرك الأطفال بخوف داخل مساحة بالكاد تتسع لهم، بينما تحاول أمهم أن تمنحهم شعورًا واهيًا بالأمان في خيمة لم تعد تصلح لدرء المطر أو الحر.
تقول مارلين: "الخيمة لا تصلح للشتاء ولا للصيف، فقدت بعض أمتعتي القليلة أصلًا بسبب مياه الأمطار مثلما فقدت أمتعة في الشتاء السابق، وما زال وضعي على حاله لم أتلقّ خيمة جديدة".

مارلين شابة منفصلة تعيل وحدها صغارها الأربعة. نزحت من بيتها بمدينة غزة في سبتمبر 2025م حين أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان مدينة غزة على النزوح إلى الجنوب. منحتها شقيقتها خيمة قديمة كي تعيش فيها مع بعض الأغطية والفراش والملابس التي تمكّنت من جلبها معها.
توضح وهي تشير إلى طفلتها: "لديّ طفلة (14 عامًا) مصابة بمتلازمة داون وهي شديدة الخوف من كل شيء. الجميع لا تناسبه معيشة الخيام لكنها أقسى على ذوي الظروف الخاصة. صبيحة اليوم التالي، ومع شروق الشمس بدأت بتنشيف ما غرق من ملابس وفراش ومحاولة تعويض ما فقدته من أمتعة".
وتكمل حول استلام الخيام: "خيمتي لا تصلح للشتاء، هي صغيرة وبالكاد تصلح للرحلات. العام الماضي كان لديّ خيمة قطرية لكنها غرقت مع أمتعتي. أسمع عن روابط تسجيل للحصول على خيام، وقد سجلت اسمي مع مندوب المخيم، وما زلت أنتظر".

ولا يختلف حال السيدة أم أحمد عدوان (49 عامًا) النازحة مع عائلتها المكوّنة من 7 أفراد في خيمة من شوادر النايلون وسط مدينة خانيونس، فقد تعرضت خيمتها بالكامل للغرق وتلفت كل أمتعة العائلة. تشير أم أحمد إلى بقايا الخيمة المحطمة والفراش الذي نشرته علّه يجف تحت أشعة الشمس وهي تقول: "لم تتحمل الخيمة قسوة الرياح والأمطار فسقطت واندفع المطر إلى داخل الخيمة، قضينا الليل ونحن نجري من مكانٍ لآخر حتى توقّف المطر لأجد أن الفراش والحصيرة وملابسنا كلها غارقة بالمياه، وما زلت حتى الآن أعرّضها للشمس كي تجف، هذا غير الأشياء التي تلفت".
وتبدي أم أحمد التي نزحت من مدينة رفح في مايو 2024م انزعاجها من تكرار تجربة غرق خيمتها للعام التالي، متسائلة عمن يمكن أن ينقذهم من ذلك.
"اشتريت أخشابًا وحصلت على شوادر قبل المنخفض ولكن حين جاءت الرياح انهارت الخيمة. نحن بحاجة إلى خيام مناسبة".
ابنها ياسر (23 عامًا) الذي نجح بجهده الشخصي في الحصول على شوادر جديدة من مبادرين لمساعدة العائلة، يقول: "حين هطلت الأمطار كسّرت خشب الخيمة. العام الماضي كنا نمتلك خيمة إماراتية لكنها لم تشكّل حماية لنا من المطر، وهذا العام تكررت المأساة".
ويضيف: "اشتريت أخشابًا وحصلت على شوادر قبل المنخفض ولكن حين جاءت الرياح انهارت الخيمة. نحن بحاجة إلى خيام مناسبة. سجلنا اسمنا لدى مندوب المخيم للحصول على خيمة، وكذلك يجتهد أخي بشكلٍ دائم في التسجيل لدى المؤسسات التي تقدم الخيام، لكن لم نحصل على شيء".
منذ اللحظات الأولى للمنخفض الذي تسبب في تلف آلاف من خيام النازحين، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصورًا لعائلات غرقت خيامها وهم يناشدون من ينقذهم، محملين المؤسسات الدولية مسؤولية الفشل في حمايتهم قبل المنخفض، وشنّوا هجومًا لاذعًا على مؤسسات بعينها اتهموها بالتقصير في توزيع الخيام على النازحين قبل الغرق بمياه المنخفضات، لاسيما أن النشرات الجوية كانت واضحة.

مؤسسة تحالف أطفال الشرق الأوسط (MECA)، كانت من بين هذه المؤسسات والتي قالت مديرتها د.وفاء الديراوي "إن ما توفر في مخازن المؤسسة هو 10 آلاف خيمة تم استلامها قبل المنخفض بيومٍ واحد فقط، ولم يكن الوقت كافيًا لتحديد المعايير".
وشرحت الديراوي في مقابلة مع "نوى" أن المتوفر حاليًا هو فقط 700 خيمة، من أصل 10 آلاف خيمة تم استلامها من اللجنة القطرية يوم الأربعاء، وتم توزيع 300 يوم الخميس (قبل يوم من المنخفض)، ثم تم توزيع 4000 ثم 3000 خيمة.
"العدد الذي دخل قطاع غزة ربما لا يتجاوز 20 ألف خيمة، بينما قدّرت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية الاحتياج بنحو 400 ألف خيمة".
وبررت بطء عملية التوزيع بالاعتماد على آلية مهنية تضمن وصول الخيام للأكثر احتياجًا، ضمن بنود دقيقة ومعايير تعتمد على الجمعيات الشريكة، تأخذ بالاعتبار عدد أفراد الأسرة، ووضع الخيمة، وذوي الإعاقة، وظهور فئات جديدة كالنساء المعيلات، والأطفال معيلي الأسر، وكل تفصيلة لها نقطة محددة.
وتابعت: "العدد الذي دخل قطاع غزة ربما لا يتجاوز 20 ألف خيمة، بينما قدّرت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية الاحتياج بنحو 400 ألف خيمة، فالمتوفر قليل مقارنة بالاحتياج، لذلك التحديد دقيق جدًا".
وأضافت: "وصلنا بالبداية لـ 7000 خيمة، وبعدها 10 آلاف، واحتجنا يومًا للعمل على المعايير وتحديد المؤسسات التي نعمل من خلالها. نحن لا نتحدث عن أعداد قليلة فقط، بل عن جودة الخيام التي لا تصلح للشتاء أصلًا".
"موضوع الخيام أثار لغطًا وضجة، هناك جهات لا تعمل بشكلٍ شفاف ونزيه، وتتداول الخيام وكأنها طرود غذائية، فتتم آلية التوزيع وفق أجندات أو مزاجية، ما يخلق حالة من الفوضى".
ولم تنفِ الديراوي وجود خيام تُباع في الشوارع، لكنها فسرت ذلك بأن هناك من يبيع خيمته بسبب الاحتياج لشيء آخر، خاصة مع ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 90%. كما أشارت إلى إمكانية حدوث أخطاء في اختيار الفئات في بداية الاستلام، بسبب الضغط الكبير على التسليم.
وأكدت الديراوي أهمية تضافر الجهود لحمل هذا الملف ووقاية الخيام من الغرق، مؤكدة انفتاح مؤسستها على التعاون، فقد ساهموا سابقًا في إنشاء مخيم من 1200 خيمة مزود بالمراحيض، وساعدوا في توفير سولار وبعض الاحتياجات اللازمة لحماية الخيام.
وختمت بالقول: "موضوع الخيام أثار لغطًا وضجة، هناك جهات لا تعمل بشكلٍ شفاف ونزيه، وتتداول الخيام وكأنها طرود غذائية، فتتم آلية التوزيع وفق أجندات أو مزاجية، ما يخلق حالة من الفوضى ويدفع الناس للضغط على المؤسسات".
الضجة التي أثيرت حول تباطؤ المؤسسات في توزيع الخيام دفعت العديد منها إلى الإسراع في اتخاذ خطوة للأمام وبدء عملية التوزيع، لكن يبقى التساؤل قائمًا: "متى ستكون لدى المؤسسات جهوزية حقيقية لحماية النازحين؟"
