أكتوبر غزة "رمادي".. مريضات السرطان لا علاج ولا أمل!
تاريخ النشر : 2025-10-20 16:07

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تجلس رشا أبو سبيكة على سريرها في مستشفى ناصر الطبي بخان يونس، جنوبي قطاع غزة، تتلقى جرعتها الكيماوية التي أعادت إلى جسدها جروحًا لم تندمل منذ اندلاع حرب الإبادة قبل عامين.

بعينين يملؤهما الرجاء والإنهاك، تترقب منذ شهور موافقة سفرها لاستكمال علاجها في الخارج، علّها تظفر بفرصة نجاة.

تقول لـ"نوى": "اكتشفتُ إصابتي بسرطان الثدي خلال الحرب، كانت صدمة عمري الكبرى. انهرت وبكيت كثيرًا، لم أتخيل يومًا أن يصيبني هذا المرض".

"اكتشفتُ إصابتي بسرطان الثدي خلال الحرب، كانت صدمة عمري الكبرى. انهرت وبكيت كثيرًا، لم أتخيل يومًا أن يصيبني هذا المرض".

من هنا بدأت رحلة معاناتها وسط حرب لم تترك للمستشفيات ولا لمرضاها فرصة للعلاج أو حتى للنجاة. حرب داست القوانين والأعراف، وأغلقت أمام المرضى أبواب الشفاء. تضيف رشا: "حين ذهبت للمستشفى، لم يكن هناك علاج ولا أجهزة طبية للكشف المبكر، فالاحتلال دمّر المستشفيات وأخرجها عن الخدمة، وحتى الصيدليات كانت خاوية من الدواء".

عامان مرَّا، ونساء غزة يعشن حروبًا متتالية: من القصف والنزوح المتكرر، إلى المجاعة والطهو على النار في زمن يُمنع فيه الغاز. تتابع رشا: "أخبرني الأطباء أن أحد أسباب إصابتي ربما كان استنشاق غبار الصواريخ، أو الدخان الناتج عن الطهي على النار منذ عامين، فالاحتلال يمنع إدخال غاز الطهي".

لكن المجاعة كانت الجرح الأعمق في جسدها وروحها. لم تجد أمامها سوى المعلبات والمياه الملوثة لتبقى على قيد الحياة. تقول بحسرة: "عشت المجاعة بكل تفاصيلها وأوجاعها، كنت أقتات على الفول والفاصوليا والعدس، وأحيانًا لا تتوفر حتى هذه، ولا أتذوق الخبز لأيام لأن الطحين لم يكن متاحًا".

"في أي دولة يُحرم المريض من علاجه؟ فقط لأننا في غزة، نعيش الموت بألوانه كلها".

وحين سُئلت عن أصعب لحظات رحلة علاجها، أجابت: "حين قطعت مسافة طويلة من مخيم النصيرات إلى مستشفى ناصر الطبي، بحثًا عن جرعتي، فأخبرني الطبيب أنه سيعطيني بديلًا عنها، حينها شعرت بالخوف وانفجرت بالبكاء".
ثم رفعت بصرها متسائلة والدموع تنحدر على وجهها: "في أي دولة يُحرم المريض من علاجه؟"، قبل أن تمسح دموعها وتهمس: "فقط لأننا في غزة، نعيش الموت بألوانه كلها".

حال رشا لا يختلف كثيرًا عن حال جميلة أحمد (58 عامًا)، التي اكتشفت خلال الحرب أن المرض عاد إلى جسدها من جديد، لكن هذه المرة كان عليها أن تواجهه بلا علاج. تقول لـ"نوى": "رفضت تلقي الجرعات، فقبل الحرب كنت أتلقى العلاج والغذاء والماء النظيف متوفر، أما الآن فلا غذاء ولا ماء ولا حياة أصلًا".

تضيف بأسى: "لا فواكه ولا خضراوات ولا لحوم ولا دجاج، كل ذلك مفقود منذ أشهر طويلة. والطعام أساسي في مقاومة المرض، لكنه غير متاح".

وتتذكر لحظة قاسية حين أخبرها طبيب الأورام أن كتلة سرطانية عادت إلى ثديها الأيمن. لم يكن قرارها سهلاً، لكنها لم تملك خيارًا آخر. تروي: "أخبرتني الطبيبة أنني أحتاج إلى صور أشعة وخزعات، لكن الأجهزة غير متوفرة، والاحتلال لم يسمح لي بالسفر لإجرائها في الخارج".

وعن حالتها الصحية اليوم تقول: "تدهورت كثيرًا، أشعر بحرقان في جسدي، وتعبٍ وهزالٍ دائمين".

جميلة، الأم لعشرة أبناء، تخاف أن ينهكها المرض فتسقط، ولا تجد من يعيل أطفالها. تقول بصوت خافت: "أخاف أن ينتشر المرض في جسدي فلا أستطيع الوقوف أو العمل لإعالة أبنائي".

"أخبرتني الطبيبة أنني أحتاج إلى صور أشعة وخزعات، لكن الأجهزة غير متوفرة، والاحتلال لم يسمح لي بالسفر لإجرائها في الخارج (..) تدهورت حالتي كثيرًا".

في غزة، لا أحلام كبيرة لمرضى السرطان. مطلبهم الوحيد هو حقهم في السفر لتلقي العلاج كما سائر المرضى حول العالم.

يقول استشاري الأورام الطبيب زكي الزقزوق لـ"نوى": "عدد النساء اللواتي أصبن بسرطان الثدي خلال الحرب تضاعف مقارنة بما قبلها"، مشيرًا إلى أن "لا إحصائية دقيقة بعددهن، لكن الأعداد في ازدياد مستمر".

ويؤكد أن تكدس النازحين في الخيام وتناول المياه غير الصحية والأطعمة المعلبة، جميعها عوامل تُسهم في ارتفاع نسب الإصابة، مضيفًا: "حتى الغازات السامة الناتجة عن القصف والصواريخ لها دور كبير في ذلك".

"تعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير مستشفى الصداقة التركي –الوحيد الذي كان يقدم خدمات علاج السرطان في القطاع– بعدما قصفه عدة مرات، ثم حوّله إلى ثكنة عسكرية وأجبر المرضى على إخلائه".

وقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي، وفق الزقزوق، تدمير مستشفى الصداقة التركي –الوحيد الذي كان يقدم خدمات علاج السرطان في القطاع– بعدما قصفه عدة مرات، ثم حوّله إلى ثكنة عسكرية وأجبر المرضى على إخلائه.

يقول الزقزوق بأسى: "الاحتلال دمّر المستشفى وجميع الأجهزة الطبية اللازمة للفحوصات، ومنع إدخال العلاج والأدوية، متعمدًا قتل أكبر عدد من المرضى".

انعدام الأجهزة والأدوية جعل الفحص المبكر مستحيلاً، فتدهورت الحالات دون قدرة على التدخل. يضيف الطبيب: "جمعنا ما تبقى من العلاج الكيماوي المتوافر قبل الحرب، وبدأنا بإعطائه للمرضى بالحد الأدنى حتى لا تتفاقم حالتهم".

وفي ختام حديثه، يطالب بإدخال الأدوية والمعدات والأجهزة الطبية اللازمة لمرضى السرطان، وإعادة فتح مستشفى متخصص لهم، "كي لا يموتوا بصمت على أسِرّة الانتظار".