غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تحت وابل القصف الكثيف وصرير الطائرات، كان المصوّر الصحفي أنس فتيحة يركض بالكاميرا لا لينجو، بل ليوثّق. يسأل نفسه في كل لحظة: "هل سأنجو برفقة عائلتي في نهاية حرب الإبادة؟ أم سأُقتل كما قُتل زملائي الصحافيون الذين حرض عليهم الاحتلال الإسرائيلي بدعايات مفبركة؟" ظلّ السؤال يلاحقه حتى الثواني الأخيرة من دخول اتفاق التهدئة حيّز التنفيذ.
في تلك اللحظات، رفع فتيحة (31 عامًا)، مصوّر وكالة الأناضول التركية، دعوى قضائية ضد شركة النشر العالمية Axel Springer، بعد أن اتهمته صحيفة BILD الألمانية، الأكبر شعبية في البلاد، بالترويج وفبركة صور المجاعة في غزة.
"أؤمن أن دوري كمصورٍ صحفي هو أن أنقل الحقيقة للعالم. عملت في أحلك ظروف الإبادة على غزة، تحت القصف والاجتياح، وسأواصل رسالتي مهما كان الثمن".
يقول بنبرةٍ ممزوجة بالفخر والغضب: "في الثواني الأخيرة من دخول اتفاق التهدئة حيّز التنفيذ، نسف الاحتلال الإسرائيلي بيت العمر والذكريات، بعد اليوم الذي رفعت فيه الدعوى في المحكمة الألمانية بفرانكفورت ضد صحيفة (بيلد) المتحيزة للاحتلال".
دعوى فتيحة ضد مؤسسة إعلامية أوروبية بهذا الحجم تُعدّ الأولى من نوعها لصحفي فلسطيني يعمل تحت الاحتلال. يصمت للحظة، ثم يضيف بوجع: "رفع رئيس الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ صوري في مؤتمر في إستونيا، وشوّه سمعتي الصحفية واتهمني بالمفبرك، لكنني فقط أوثق المعاناة والجرائم التي يرتكبونها بحق المدنيين وأنقلها كما هي إلى العالم".
تختصر إحدى صوره الحرب والمجاعة معًا؛ أطفال ونساء ورجال بوجوهٍ شاحبةٍ وأجسادٍ نحيلة، يقفون تحت الشمس الحارقة حاملين أوانيهم الفارغة، والـ"جوع" يطلّ من عيونهم. "التُقطت الصورة خلال تصوير فيلم وثائقي يوثق المجاعة في غزة، حين كان الأطفال يتدافعون للحصول على الطعام والماء، كل ما فيها كان واقعًا حيًا، لا تمثيلًا ولا إخراجًا، كنت أقوم بعملي الصحفي بأمانة وشرف، ولم أوجّه أي مشهد أو أطلب شيئًا من أحد"، يؤكد فتيحة.
"لاقت الصور تفاعلًا دوليًا واسعًا، لكنها قوبلت بالتحريض والفبركة من صحيفة بيلد التي تتعمد تشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين".
ويحدثنا قائلًا: "لأجل لقطةٍ واحدة حقيقية من بين آلاف الصور التي التقطتُها للمجوعين في غزة، وهم يصطفون على طوابير الإغاثة الطويلة، لاقت الصور تفاعلًا دوليًا واسعًا، لكنها قوبلت بالتحريض والفبركة من صحيفة بيلد التي تتعمد تشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين".
في الثالث من أغسطس/آب الجاري، نشرت صحيفتا (زود دويتشه) و(بيلد) الألمانيتان تقارير تُشكك في مصداقية الصور الإنسانية الملتقطة من غزة، عادةً أنها "تثير مشاعر الملايين وتؤثر على الرأي العام والسياسات الدولية".
"نشرت (بيلد) صورةً تُظهرني راكعًا لتصوير المجوعين وهم يحملون أواني فارغة، وروّجت أنها حاولت التواصل معي، لكن لم يراسلني أحد، لا عبر الهاتف ولا الإيميل ولا أي وسيلة أملكها".
يقول فتيحة: "اتهمتني الصحيفتان زورًا بفبركة تحريضية، ونشرت (بيلد) صورةً تُظهرني راكعًا لتصوير المجوعين وهم يحملون أواني فارغة، وروّجت أنها حاولت التواصل معي، لكن لم يراسلني أحد، لا عبر الهاتف ولا الإيميل ولا أي وسيلة أملكها".
يتابع: "عرّضتني الفبركة المفتعلة من بيلد للتهديدات الإسرائيلية، وشعرت بالقلق على عائلتي وحياتي، كما حدث مع زملائي الصحفيين الذين اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي".
شنت الوزارات والهيئات الرسمية الإسرائيلية حملةً ممنهجةً ضده، ووصفتْه بـ"الكاذب والكاره لإسرائيل واليهود"، متهمةً إياه بالحزبية والانتماء لحركة حماس، وسط تغطيةٍ ألمانيةٍ داعمة للرواية الإسرائيلية.
وعن سبب لجوئه للقضاء يقول: "الإجراء القانوني الذي اتخذته هو اختبارٌ لمدى استعداد المحاكم الألمانية لمحاسبة إحدى أقوى وسائل الإعلام على تغطيتها التشهيرية التي تحرّض وتنزع عن الصحفيين الفلسطينيين صفتهم الإنسانية".
"هذا الإجراء القانوني هو اختبارٌ لمدى استعداد المحاكم الألمانية لمحاسبة إحدى أقوى وسائل الإعلام على تغطيتها التشهيرية التي تحرّض وتنزع عن الصحفيين الفلسطينيين صفتهم الإنسانية".
يختم أنس فتيحة حديثه بإصرارٍ عميق، فيقول: "أؤمن أن دوري كمصورٍ صحفي هو أن أنقل الحقيقة للعالم. عملت في أحلك ظروف الإبادة على غزة، تحت القصف والاجتياح، وسأواصل رسالتي مهما كان الثمن".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استُشهد 254 صحافيًا وصحافية، وأُصيب 433، واعتُقل 48 خلال تغطيتهم للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.