علّام العمور.. سباقٌ أخير ورصاصةٌ عند خط النهاية!
تاريخ النشر : 2025-09-16 08:30

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يهمس الأب بقلق: "ما في بالبيت ذرّة طحين"، فيرد علّام بثبات: "سأجلب الطحين وكل ما ينقصنا (..) أعدك أنها المرة الأخيرة التي أخاطر فيها بحياتي".

وهكذا، في صباح الثلاثاء 26 أغسطس/آب، طوت حكاية العدّاء علّام العمور ابن الواحد والعشرين عامًا صفحاتها، ذلك الشاب الذي حمل علم فلسطين في دول عربية عدة، ونال الميدالية البرونزية في سباق 5 آلاف متر للشباب.

لا يزال صدى وعده الأخير يتردد في أذني والده: "هذه آخر مرة"، قبل أن يجري نحو "محور موراج" ضمن سباقات الحياة الأخيرة تحت نيران الحرب في غزة.

"علّام ابني وفلذة كبدي، نفَسي الذي أتنفسه. كنت أشجعه دومًا وأعدّه ليمثل فلسطين عالميًا، لكن القناص الإسرائيلي قتلني بقتله".

ذهب علّام برفقة أصدقائه ليحمل لعائلته المكوّنة من عشرة أفراد طردًا غذائيًا يقيم صلبهم أمام سياسة التجويع الإسرائيلية الممنهجة، لكن قنّاصًا إسرائيليًا حوّل فرحته المنتظرة إلى دموعٍ تساقطت فوق روحه في الكفن، حين استقرت رصاصة في قلبه، لتنتهي بذلك القصة، وكل الحكايا التي كان العدّاء الواعد يتمنى أن يحياها بدون حرب.

الأب عبد الله العمور (45 عامًا) يتحدث وصوته يخنقه البكاء: "علّام"، ثم يصمت وينخرط في دوامة بكاء مرة، قبل أن يكمل: "علّام ابني وفلذة كبدي، نفَسي الذي أتنفسه. كنت أشجعه دومًا وأعدّه ليمثل فلسطين عالميًا، لكن القناص الإسرائيلي قتلني بقتله".

رحل "الصاروخ"، وانضم إلى قافلة الشهداء من الرياضيين الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم 774 منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م.

يستعيد الأب بملامح يغمرها الحزن سيرة ابنه الشهيد فيقول: "وُلد علّام يوم استشهاد الرمز ياسر عرفات، وكان بجسم رياضي مرن، وزنه بين 50 و55 كيلوغرامًا وطوله 165 سنتيمترًا. منذ طفولته عشق ألعاب القوى، من الركض إلى السباحة، وفي الرابعة عشرة التحق بالنوادي الرياضية، ثم بالمنتخب الفلسطيني، قبل أن يمثل النادي الرياضي في الدوري المحلي".

رحل "الصاروخ"، اللقب الذي منحه له أصدقاؤه والجمهور الرياضي لسرعته المذهلة، قبل أن يحقق حلمه الكبير. انضم إلى قافلة الشهداء من الرياضيين الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم 774 منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م.

يسترجع الأب ذكرياته: "كان من المفترض أن يتقدّم لامتحانات الثانوية العامة في مايو/ 2023م، لكنه تأخر عامًا واحدًا بسبب مشاركته في مسابقة دولية لتمثيل فلسطين. كنت أشتري له الخضروات والفواكه واللحوم، وأعد له العصائر الخاصة، وأدعمه كي يسجل أرقامًا قياسية في الركض".

أحرز العدّاء الشاب الميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا التي استضافتها الدوحة، حيث شارك عشرات الرياضيين العرب، وترك بصمته بين أبرز الوجوه الواعدة في ألعاب القوى الفلسطينية.

يصفه الأب بحرقة: "ليس لأني والده، لكنه كان يتصدر المهام في البيت، والأقرب إلى قلبي بين ثمانية من أبنائي. تحلى بالشجاعة، والكرم، وطيبة القلب واحترام الناس، بروح مرحة وحب كبير للحياة، ومعارفه ممتدة من طرف إلى طرف".

علّام، ابن مدينة خانيونس، كان يقطع يوميًا أكثر من 14 كيلومترًا بين الأزقة والشوارع بحذائه الرياضي، صباحًا ومساءً، ليحافظ على سرعته وليونته البدنية.

علّام، ابن مدينة خانيونس، كان يقطع يوميًا أكثر من 14 كيلومترًا بين الأزقة والشوارع بحذائه الرياضي، صباحًا ومساءً، ليحافظ على سرعته وليونته البدنية.

يقول الأب بصوت مرتجف: "خوفي عليه من الكسور والرضوض جعلني أمنعه من ركوب الدراجة النارية، فاشتريت له سيارة بدلًا منها حفاظًا على حياته. لكن حين كان يذهب لجلب الطرود الغذائية من محور موراج، لم أمنعه. حاجتنا للطحين والطعام كانت أقسى من أي خوف".

"القناص الإسرائيلي تعمّد قتله"، يضيف الأب بحرقة. "الرصاصة الأولى أصابت بطنه، حاول أصدقاؤه إسعافه وكان يتنفس، لكن الثانية اخترقت قلبه فأسلم الروح".

"الخبر وقع عليّ كالصاعقة. كنت أرسم مستقبل علّام الرياضي، أردته عدّاء فلسطين القادم، لكنه ارتحل شهيدًا. رأيته أمامي مسجّى والدماء تتقطر منه".

ويتابع وهو يبكي: "الخبر وقع عليّ كالصاعقة. كنت أرسم مستقبل علّام الرياضي، أردته عدّاء فلسطين القادم، لكنه ارتحل شهيدًا. رأيته أمامي مسجّى والدماء تتقطر منه".

لم يكن علّام عندما استشهد يركض خلف ميداليةٍ أو رقمٍ قياسي هذه المرّة، بل وراء كيس طحين يقي عائلته الجوع. رحل وهو يحمل في خطواته صورة كل شاب فلسطيني يُحاصر بين حُلمين: أن يعيش بكرامة، وأن يبقى على قيد الحياة.

في جنازته، كان نعشه أخفّ من خطواته، لكن ثِقله في قلوب من أحبّوه لا يُحتمل. بقي اسمه يركض بيننا، كصوتٍ لا ينقطع، وكصورةٍ للشاب الذي حاول أن ينتصر للحياة، حتى وهو يركض إليها بقدميه العاريتين من الأمان.