أزمة "بدل فاقد".. أوراق "غزة" الثُبوتية ابتَلَعها الركام!
تاريخ النشر : 2025-09-14 13:39

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لم يكن الوقت كافيًا أمام سهيل يحيى لجمع وثائقه المهمة وشهاداته الدراسية والنجاة بها، قبل أن تنهال صواريخ المقاتلات الحربية الإسرائيلية على منزل أسرته في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، فتدمره كليًا وتحوله إلى أطلال.

كان ذلك في اليوم الثالث من اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023. ويقول يحيى لـ"نوى": "كانت دقائق قليلة، وانهار كل شيء في لحظة.. نجونا بأنفسنا، ولكن خسارتنا كانت فادحة".

بعد هذا الحدث الأليم لم تعد حياة يحيى وأسرته كما كانت قبل الحرب، وتوالت المآسي. وبالنسبة له فإن الحرب ليست مجرد "عداد يحصي الشهداء والجرحى"، رغم مرارة الفقد، لكنها تتغلغل في أدق تفاصيل الحياة وتخلق أزمات كثيرة ومركبة.

ومع اقتراب الحرب من دخول عامها الثالث على التوالي في 7 أكتوبر المقبل، تبرز معاناة آلاف الطلبة والمواطنين في استخراج الوثائق الرسمية والشهادات الدراسية، التي تساعدهم على التقدم للوظائف والمنح الدراسية أو الحصول على المساعدات الإغاثية.

تسبب الدمار الهائل الذي أحدثته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في المنازل السكنية والمدارس والجامعات، وفي المقار الرئيسة للوزارات والمؤسسات الحكومية، في ضياع الوثائق والشهادات، وتعطيل العمل على استخراج بدل فاقد عنها.

وتسبب الدمار الهائل الذي أحدثته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في المنازل السكنية والمدارس والجامعات، وفي المقار الرئيسية للوزارات والمؤسسات الحكومية، في ضياع الوثائق والشهادات، وتعطيل العمل على استخراج بدل فاقد عنها.

ومنذ اضطراره لمغادرة مخيم جباليا، خاض يحيى (26 عامًا) وأسرته تجربة النزوح المريرة مرارًا، متنقلين من مكان إلى آخر بحثًا عن أمان مفقود. غير أنه امتلك من العزيمة والإصرار ما مكنه من استكمال دراسته الجامعية والتخرج من جامعة الأزهر بغزة، وحصوله على شهادة البكالوريوس في تخصص التغذية الإكلينيكية.

ويقول: "أنهيت دراستي الجامعية أونلاين (عن بُعد)، رغم أزمة انقطاع الكهرباء وتردي خدمات الإنترنت، ولم أحصل على الشهادة لمواصلة طريقي في الحياة وبناء مستقبلي".

يقيم يحيى وأسرته حاليًا في خيمة بمدينة دير البلح وسط القطاع، ويواجه مصيرًا مجهولًا، ويشعر بحزن عميق لعدم امتلاكه الوثائق والشهادات التي تساعده على التقدم لمنح دراسية في الخارج لاستكمال مسيرته التعليمية.

لم تنل الغارة الإسرائيلية من حجارة منزله المكون من عدة طوابق فحسب، بل اغتالت الحاضر والماضي والمستقبل، ودفنت الذكريات الجميلة. "لقد أضاعت عليَّ فرصًا للتقدم لمنح دراسية مجانية في جامعات خارجية، بسبب صعوبة استخراج الشهادات والوثائق الورقية الأصلية في غزة"، يقول يحيى.

وفي ظل واقع معيشي متردٍ وجد يحيى نفسه مضطرًا لفتح بسطة تجارية صغيرة قرب الخيمة، ليكسب القليل من المال الذي يساعده على توفير احتياجات أسرته، ويتساءل بمرارة: "هل هذا مصير طالب جامعي طموح؟ لكنها الحرب المجنونة التي لا ترحم، ولا ندري متى سينتهي هذا الكابوس ونستعيد حياتنا المفقودة؟".

توقفت معظم المديريات في محافظات القطاع، سواء بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر والتدمير، أو نتيجة وقوعها في مناطق حمراء تشملها أوامر الإخلاء.

وفي حكاية مشابهة، لم تتمكن الطالبة نور اشكوكاني من استخراج بدل فاقد عن شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، التي فقدتها مع ملابسها ومقتنيات أسرتها تحت أنقاض منزلها المدمر في "حي الأمل" بمدينة خان يونس جنوب القطاع.

نور (21 عامًا) نازحة حاليًا مع أسرتها في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، وتقول لـ"نوى" إن مديرية التربية والتعليم في مدينة خان يونس متوقفة عن العمل بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية الواسعة التي تشمل أغلب أحياء المدينة، حيث يتكدس مئات الآلاف من سكانها والنازحين في منطقة المواصي وسط ظروف مأساوية.

وعلى غرار مديرية التربية والتعليم في خان يونس، توقفت معظم المديريات في محافظات القطاع، سواء بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر والتدمير، أو نتيجة وقوعها في مناطق حمراء تشملها أوامر الإخلاء.

وتوضح نور أن مديريات قليلة ما تزال تعمل في بعض مناطق القطاع، منها مديرية التعليم في النصيرات، وسط قطاع غزة، وتمنح هذه المديريات الطلبة إفادة مؤقتة بدلًا من الشهادة الرسمية، تفيد بنجاح الطالب في التوجيهي، لكنها لا تغني عن الشهادة في حال التقدم لمنحة دراسية أو وظيفة.

ويؤكد الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم الدكتور مجدي برهوم لـ"نوى" أن واقع العمل الإداري معقد للغاية بسبب تداعيات الحرب والتدمير الهائل الذي أصاب الوزارة بمرافقها ومقارها ومديرياتها، وهو ما يندرج في سياق الاستهداف الممنهج من جانب الاحتلال، بهدف تعطيل كل مفاصل الحياة والتضييق على السكان وقتل كل فرص العيش والبقاء.

ويقول إن "الإفادات التي تمنحها بعض المديريات التي لا تزال تعمل جزئيًا تفيد الطالب في المعاملات المحلية، لكنها لا تغني عن الشهادات الأصلية في أي معاملات خارجية، بما فيها المنح والوظائف وغيرها".

ووفقًا لبرهوم، فإن عمليات القصف والاستهداف الممنهج منذ اندلاع الحرب تسببت في تدمير مقدرات الوزارة، وإلحاق الضرر بالنظام الإلكتروني، وفقدان متطلبات إصدار الشهادات من أوراق وأختام.

ولا يقتصر ذلك على قطاع التعليم، بل ينسحب على مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية التي تضرر نظامها الإلكتروني، وتعطلت مقارها الرسمية جراء التدمير والإخلاء، ولم تعد قادرة على استخراج وثائق رسمية للمواطنين، وأهمها بطاقات الهوية الشخصية.

يشكو طلبة ومواطنون من تحملهم أعباء مالية إضافية، عبر توكيل من ينوب عنهم في الضفة الغربية لاستصدار وثائق رسمية لهم من رام الله.

ويقول محمد جلود لـ"نوى" إنه فقد بطاقة هويته الشخصية، وتوجه إلى مقر مؤقت للشق المدني في وزارة الداخلية للحصول على بدل فاقد، لكن الموظف أخبره أن بإمكانه الحصول على نسخة ورقية فقط، إلى حين توفر الظروف المناسبة لاستئناف العمل واستخراج بطاقة رسمية.

غير أن هيئات ومبادرات خيرية لا تتعامل مع النسخ الورقية لبطاقات الهوية، خشية تزويرها. ووفقًا لجلود، فإن مساعدات مالية وعينية لم يتمكن من الحصول عليها والاستفادة منها بسبب عدم امتلاكه بطاقة هوية رسمية.

ويشكو طلبة ومواطنون من تحملهم أعباء مالية إضافية، عبر توكيل من ينوب عنهم في الضفة الغربية لاستصدار وثائق رسمية لهم من السلطة الفلسطينية في رام الله، مثل جوازات السفر وشهادات الميلاد والشهادات الدراسية وعقود الزواج، ثم إرسالها إلى أقارب وأصدقاء عبر البريد السريع في عواصم عربية وأجنبية من أجل إتمام معاملات إلكترونية متعلقة بمنح دراسية أو إجراءات لم شمل وغيرها.

وتشير بيانات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن الاحتلال دمّر 236 مقرًا حكوميًا للوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، إضافة إلى تدمير 156 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرت كليًا، و382 أخرى تعرضت للتدمير الجزئي.

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة لـ"نوى": "بسبب هذا التدمير الهائل وتداعيات الحرب توقف العمل الحكومي بشكل عام، ما أثّر سلبًا وبدرجة غير مسبوقة على حياة المواطنين، وعطل مصالحهم المختلفة".