ضاقت حتى على "الأموات".. "مغاسل" غزّة تنهار!
تاريخ النشر : 2025-07-30 13:16

غزة/ شبكة نوى - فلسطينيات:

"ضاقت الأرض على الفلسطيني في غزة حيًا وميتًا"، بهذه الكلمات الممزوجة بالحزن والقهر، عبّر رئيس "جمعية قيراطان الخيرية" أحمد أبو عيد عن أزمة حادة تضرب مغاسل الموتى القليلة التي لا تزال تعمل في بعض المستشفيات الحكومية المتبقية في قطاع غزة، المُهدّدة بالتوقف والخروج عن الخدمة في أي لحظة.

منذ فبراير/شباط الماضي، تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال مستلزمات المغاسل. ووفقًا لجمعية قيراطان الخيرية، التي تُشرف على إدارة تلك المغاسل، فإن الوضع أصبح خطيرًا للغاية بسبب نفاد شبه تام للأكفان وأكياس النايلون العازلة، ونقص حاد في مواد التنظيف والتعقيم، وشُح كبير في الأدوات الصحية وحتى أكياس القمامة.

يرى أبو عيد أن هذه الأزمة هي الأسوأ في تاريخ غزة، ويقول لـ"نوى": "لم تمر غزة يومًا بأزمة أشد من التي نعيشها اليوم، لا نجد فيها أكفانًا ولا حتى أكياس نايلون نلملم بها أشلاء شهدائنا".

"هنا في غزة الكريمة، لا يجد الأحياء لقمة عيش، ولا يجدون بعد موتهم جوعًا وقهرًا كفنًا يسترهم ليدفنوا بكرامة. لقد ضاق عليهم باطن الأرض كما ظاهرها"، يضيف بصوت متعب مملوء بالأسى.

يعمل في الجمعية (110) متطوعين، من بينهم (40) متطوعة، ويقول أبو عيد إن "العمل يبدأ من السادسة صباحًا حتى مغيب الشمس، وسط ظروف قهرية، حيث الجميع جوعى ومنهكون".

وتابع بصوت يختنق بالألم: "هل يتخيل العالم كيف يعمل متطوعون بلا أجر طوال هذه الساعات الطويلة وبطونهم خاوية، يعانون المجاعة، ويتعاملون مع مواقف قاسية؟ قوافل لا تنتهي من الشهداء، جثث بلا رؤوس، وأخرى محروقة ومقطعة. روائح كريهة تنبعث من أجساد متحللة منع الاحتلال انتشالها لأسابيع، ولا تتوفر لدينا حتى مواد التعقيم والتنظيف".

مغسلة "مجمع ناصر الطبي" تتحمل العبء الأكبر من الضحايا، خاصة مع تزايد أعداد الشهداء في صفوف الجوعى وطالبي المساعدات على أبواب مراكز التوزيع التابعة لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي افتتحت أربعة مراكز، ثلاثة في جنوبي القطاع، وواحد في "محور نتساريم"، منذ 27 مايو/أيار الماضي، وتلقى دعمًا من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، رغم رفضها على نطاق واسع من هيئات محلية ودولية.

وتشير بيانات "المكتب الإعلامي الحكومي" إلى أن حصيلة ضحايا هذه المراكز بلغت نحو 1200 شهيد وأكثر من 7500 جريح و45 مفقودًا، منذ افتتاحها، ويصفها المكتب بأنها "مصائد موت" للمجوعين الباحثين عن ما يسد رمقهم، في ظل مجاعة تجتاح أكثر من مليونين و300 ألف إنسان في القطاع.

يؤكد أبو عيد أن "مغسلة مجمع ناصر" هي الوحيدة التي تعمل بكامل طاقتها حاليًا، بينما خرجت مغاسل مستشفيات "غزة الأوروبي" في خان يونس، و"أبو يوسف النجار" في رفح، و"الأندونيسي" و"كمال عدوان" في شمالي القطاع، عن الخدمة تمامًا.

ويرجع السبب في ذلك، بحسب أبو عيد، إلى تدمير المغاسل بالكامل كما حصل في مستشفى غزة الأوروبي ومستشفى أبو يوسف النجار، أو حرقها كما في حالة مغسلة مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، أو بسبب تعذر الوصول إليها لوقوعها في مناطق الإخلاء أو سيطرة الاحتلال.

يحذر أبو عيد من "كارثة إنسانية وبيئية وشيكة" إذا ما توقفت بقية المغاسل، ويتساءل: "كيف سيتم التعامل مع مئات الشهداء والموتى يوميًا؟ وكيف سنجهز الجثث المقطعة والمتحللة للدفن؟".

في ظل هذا العجز، يُضطر المتطوعون إلى استخدام أقمشة وأغطية بالية بدلًا من الأكفان، في محاولة لمواكبة الأعداد المتزايدة من الضحايا.

ويقول إبراهيم اصليح، أحد المتطوعين في الجمعية، لـ"نوى": إن الأزمة تفاقمت بعد افتتاح "مؤسسة غزة الإنسانية" لمراكز المساعدات"، ويقدّر أن مغسلة مجمع ناصر الطبي تستقبل ما بين 35 و100 شهيد يوميًا منذ افتتاحها.

ويضيف إصليح: "لا نستطيع نحن المتطوعين مواكبة هذه الأعداد، نضطر إلى مطالبة الأهالي بجلب أقمشة وأغطية من منازلهم لاستخدامها بدلًا من الأكفان".

ومن أجل تأجيل لحظة الانهيار، لجأت الجمعية إلى تقليص عدد قطع القماش المستخدمة في التكفين، فبدلًا من خمس قطع للنساء وثلاث للرجال، بات يُكتفى بقطعة واحدة للجميع.

تتعقد الأزمة أكثر مع وصول جثامين على هيئة أشلاء ممزقة، تتطلب أكياسًا بلاستيكية لجمعها ودفنها، وهي مواد نادرة وشبه معدومة، بحسب إصليح.

وفي آخر إحصاءاتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة الشهداء منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م تجاوزت 60 ألف شهيد، من بينهم 18,592 طفلًا (30.8%)، و9,782 امرأة (16.3%)، فيما بلغت نسبة كبار السن 7.3%.

تشكل هذه الفئات ما نسبته 55% من إجمالي الشهداء، ما يكشف بوضوح حجم الاستهداف المباشر وغير المبرر للمدنيين، وفق بيانات وزارة الصحة.