غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
يمكن لحبة قمحٍ تجدها في قطاع غزة -وسط المجاعة- أن تجعلك على قيد الحياة، لكن الأمر مختلفٌ عند الطفل عمر أبو بكرة (13 عامًا)، الذي يخوض معارك يومية متمسكًا بقطرة من الأمل؛ ليكون بين نارين: نار الموت بفعل القصف والدمار، ونار الموت جوعًا بفعل مرض "سيلياك"، في ظل الحرمان من المواد الغذائية الخاصة به.
والـ"سيلياك" هو اضطراب مناعي ذاتي يصيب الأمعاء الدقيقة. عندما يتناول الشخص المصاب بالسيلياك الغلوتين (بروتين موجود في القمح والشعير)، يهاجم الجهاز المناعي بطانة الأمعاء الدقيقة، مما يسبب تلفاً لها، ويعيق امتصاص العناصر الغذائية.
تقول والدة عُمر، وتدعى سامية أبو بكرة: "هذا يعني أن توفر الخبز حتى لن ينقذه، بل سيكون سببًا في موته".
وتشير إلى أنها اكتشفت إصابة طفلها بالمرض في عمر عامٍ ونصف، "عندما بدا على جسده الهزال وانتفاخ البطن وأصيب بإسهالٍ مزمن وفقدان للوزن وشحوب الوجه" تضيف.
وتكمل: "ظننت في البداية أنه يعاني من سوء التغذية؛ فتابعت معه لدى جمعية مختصة، لكن دون أن تظهر أي علامات تحسن. بعد خمسة أشهر اقترحت علي إحدى العاملات فحص دمه للكشف عما لو كان مصابًا بـ"سيلياك"، وبالفعل كانت النتيجة إيجابية".
وتتابع أبو بكرة: "أصبحنا نتابع في فرع الجمعية الخاص بمرض سيلياك، وهناك شرحوا لنا ماهية النظام الغذائي الواجب اتباعه، فجميع الأغذية المحتوية على الجلوتين كالقمح ومشتقاته كالمعكرونة والبرغل والفريكة غير مسموح بها، وكل ما يحتوي على مواد حافظة كالمعلبات"، ملفتةً إلى وجود منتجات من هذه الأغذية مصنَّعة خصيصًا للمرضى، من خبز وبسكويت ونشاء وغيرها.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م، انقطعت المنتجات المخصصة لمرضى "سيلياك"، لا سيما طحين الذرة، وبصورةٍ كبيرة، "وهذا يجعله يقضي فترات طويلة دون أي لقمة" تخبرنا أمه.
وتضيف: "حاولت تعويضه بتوفير الأرز رغم غلاء الأسعار ووضعنا المادي المُتعَب، خصوصًا وأنني المعيلة لأطفالي الخمسة بعد هجران زوجي لي منذ ما يقارب ستة أعوام، لكن عبثًا كل محاولاتي الآن".
"أصبح غذاؤنا يعتمد كليًّا على المعلبات، فأصبح طفلي يأكل منها لعدم وجود بديل، فعاد جسمه ضعيفًا هزيلًا كما كان، ناهيكم عن أنه يمضي ليله باكيًا صارخًا من شدة الألم".
وتستأنف أبو بكرة حديثها بالقول: "أصبح غذاؤنا يعتمد كليًّا على المعلبات، فأصبح طفلي يأكل منها لعدم وجود بديل، فعاد جسمه ضعيفًا هزيلًا كما كان، ناهيكم عن أنه يمضي ليله باكيًا صارخًا من شدة الألم".
وتزيد: "منذ فترة قريبة توفر لدى الجمعية بعضًا من كميات دقيق الذرة، فكان لطفلي منها نصيب، ولكن يجب عند عجنه أن يوضع عليه الزيت والبيض والسكر؛ ليتمكن من تناوله، ولكن لانعدام هذه المواد وغلاء أسعارها أكتفي بعجنه برشة ملح وماء دافئ، فيغدو قاسيًا جدًا على أسنانه".
وتشير أبو بكرة إلى أنها غير قادرة على متابعة الوضع الصحي لطفلها؛ بسبب غلاء أسعار التحاليل الطبية، وعدم توفرها في النقاط الطبية بشكل مجاني، مطالبةً المنظمات الإنسانية بالنظر إلى هذه الفئة المهمشة من المرضى، وتوفير كميات من دقيق الذرة والمنتجات المخصصة الخالية من الغلوتين ومصدر دخل؛ لتستطيع هذه الفئة أن تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويصف الطفل عمر شعوره بالقول: "في هذا العدوان، كُلُّنا جوعى، ولا نملك أدنى مقومات الحياة، ولكنني أتألم بشدة وأشعر بالحزن الشديد؛ لأنني لا أستطيع تناول أي شيء متوفر كما إخوتي".
من جهتها تؤكد طبيبة الأطفال سلمى الأسطل، وجود ضعف كبير في الإمكانيات الطبية لتشخيص حالات مرض "سيلياك" وإمكانية متابعتهم وتوفير احتياجاتهم؛ بفعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتحذر الأسطل من خطر المرض على أصحابه على المدى البعيد، المتمثل بسوء الامتصاص لجميع المواد الغذائية، وفقر الدم، وهشاشة العظام، ومشاكل الجهاز العصبي، وضعف النمو، وقصر القامة، وتأخر البلوغ، والتأثير على نسبة الذكاء، وزيادة نسبة الإصابة بأمراض مناعية مثل: أمراض الغدة الدرقية، وأمراض المفاصل الروماتيدي، وزيادة فرصة حدوث سرطانات في الجهاز الهضمي.
وتوصي الأسطل منظمة الصحة العالمية بضرورة إدخال منتجات خالية من الجلوتين، إضافة إلى المكملات الغذائية المحتوية على فيتامين دال وB12، وعنصري الحديد و الكالسيوم، ومنتجات البروبيوتك "البكتيريا النافعة" كاللبن والمخللات.