يتيمٌ في مهده شهيدٌ يوم عُرسه.. هذه حكاية معتز سالم
تاريخ النشر : 2025-06-30 12:28
معتز سالم

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يتّمه الاحتلال الإسرائيلي وعمره عشرة أيام، وأفقدته حرب الإبادة المستمرة يده اليمنى، ثم تجرّع مرارة الفقد في مجزرةٍ حصدت أرواح والدته وشقيقته وزوجته وطفلاته الأربع (ماريا، ومنى، وشام، وشمس)، ولما قرر أن يمضي في طريقه منح نفسه فرصةً ثانية للزواج، فارتقى شهيدًا في يوم زفافه!

معتز، شابٌ فلسطيني، آلمه الاحتلال الإسرائيلي وهو لا يزال "مقمطًا" في مهده، حين دهس جيب عسكري والده في مخيم جباليا، أثناء ذهابه إلى عمله.

معتز سالم (35 عامًا)، شابٌ فلسطيني، آلمه الاحتلال الإسرائيلي وهو لا يزال "مقمطًا" في مهده، حين دهس جيب عسكري والده في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، أثناء ذهابه إلى عمله. ربّته والدته مع شقيقته سناء، حتى كبر في كنفها، واحتضنت طفلتيه بين ذراعيها داخل بيتٍ ضمّ ضحكاتهم وحكاياهم.

لكن حرب الإبادة التي بدأت في قطاع غزة يوم السبت، السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023م، لم تترك مساحةً للحياة. قصفت طائرات الاحتلال منزله الكائن في مشروع بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، وتحوّلت ضحكات الأطفال إلى صرخات واستغاثات توالت من تحت الركام.

"في بداية الحرب، قصف الاحتلال المنزل وأُنقذت العائلة من تحت الركام وتلقّوا العلاج، بينما بُترت يد معتز اليمنى وتفتّت عظم يده اليسرى، وخضع لعلاج مكثّف. بعد نجاتهم قرروا النزوح إلى وسط مدينة غزة، كونها أكثر أمنًا من الشمال"، تقول أم حسام سالم، ابنة عمّته.

في 19 ديسمبر 2023م، ارتكبت طائرات الاحتلال مجزرة بحق عائلة سالم، ارتقت فيها أسرة معتز كاملة: زوجته، وبناته الأربع، ووالدته، وشقيقته، وزوجها وأطفالهما، وأكثر من 120 فردًا من العائلة.

في التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2023م، ارتكبت طائرات الاحتلال مجزرة بحق عائلة سالم، ارتقت فيها أسرة معتز كاملة: زوجته، وبناته الأربع، ووالدته، وشقيقته، وزوجها وأطفالهما، وأكثر من 120 فردًا من العائلة.

تضيف أم حسام (53 عامًا): "معتز عاش اليُتم طفلًا، وتجرّع مرارة الفقد حين صار أبًا. كان نعم الأب، محبًا ومدلّلًا لطفلاته. حين فقد أسرته كاملة، وبقي الناجي الوحيد، انكسر قلبه، لكنه صبر واحتسب الأجر".

تصمتُ للحظات، تستحضر فيها طيف العائلة في صورةٍ بقيت تخلّد لمّتهم وضحكاتهم، وتهمس: "لم يحظَ حتى بإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم، فجثامينهم لا تزال تحت الأنقاض حتى هذه اللحظة".

مجازر الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة المستمرة مسحت عائلة معتز من السجلات المدنية، ولم تبقِ له سوى عمّه وابن عمّه.

"لم يستطيعوا التعرّف على معتز، كانت الشظايا قد غطّت وجهه وجسده بالكامل، لكننا عرفناه من الشامة التي تعلو جبينه، ومن يده المبتورة".

تتابع سالم: "معتز لا يُشبهه أحد في أدبه وتعامله وأخلاقه. بعد فقدان أسرته ورحلة علاج استمرت عامًا ونصف، أصرّ أصدقاؤه على إقناعه بمنح نفسه فرصة جديدة في الحياة، بالزواج بشريكة دربٍ تقاسمه الحياة بحلوها ومرّها. اختار عروسًا، وأمضى فترة خطوبة لم تتجاوز الشهرين، ثم قررا إتمام مراسم الزواج".

في ظهر يوم الأحد، الثامن عشر من مايو/ أيار من هذا العام، كان معتز متجهًا لزيارة ابن عمّه في مستشفى الصحابة الطبي، وعند صلاة العصر، كان من المفترض أن يصطحب عروسه من خيمة أهلها إلى خيمته بمراسم فرحٍ خفيفة، وزغاريد خافتة.

تقول ابنة عمته: "تأخر معتز عن القدوم لعروسه، فتواصلت عروسه هالة معه عبر هاتفه لكنه لم يرد، ثم حاول أشقاؤها وعمه الاتصال، لكن بلا جدوى. الرصاص والشظايا الإسرائيلية لاحقته في يوم عرسه، فأعطته لقب شهيد، بدلًا عن لقب عريس".

نشر أحد نشطاء التواصل الاجتماعي صورًا لشهداء مجهولي الهوية تم استهدافهم، في انتظار أن يتعرّف عليهم ذووهم في مجمع الشفاء الطبي. تتابع سالم، والدموع تنساب على وجنتيها: "لم يستطيعوا التعرّف على معتز، كانت الشظايا قد غطّت وجهه وجسده بالكامل، لكننا عرفناه من الشامة التي تعلو جبينه، ومن يده المبتورة. ومع رحيله، طُويت صفحة عائلة بأكملها، لم يبقَ منها أحد".