غزة.. صواريخٌ إسرائيلية تمحو "الضحايا" من الوجود!
تاريخ النشر : 2025-06-26 15:05

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

من بين عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، فقد الكثيرون حياتهم تحت الأنقاض، فيما "تبخرت" بعض الجثث تمامًا ولم تجد عائلاتهم أي أثر لها.

وكان جهاز الدفاع المدني الفلسطيني بغزة، رصد خلال أغسطس/آب الماضي ما قال إنه "تبخر 2842  جثة، بعدما لم يُعثر لها على أثر، مُرجعًا ذلك إلى استخدام الجيش الإسرائيلي أسلحة محرّمة دوليًا في القطاع.

وذكر المتحدث باسم الجهاز، في مؤتمر صحفي، أن أكثر من 10  آلاف فلسطيني ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض، ولا يمكن انتشالهم بسبب منع "إسرائيل" دخول المعدات اللازمة.

أين جثة ابنتي؟

"قالوا لي الجثث تبخرت"، بهذه الكلمات عبّر محمد ظاهر "أبو نضال" عن صدمته بعدما فقد ابنته وزوجة ابنه في قصف إسرائيلي استهدف منزله في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة خلال أغسطس/آب الماضي.

كان المنزل المؤلف من ثلاثة طوابق يضم 14 فردًا من العائلة. نجا أبو نضال مع خمسة من أبنائه، إذ كانوا في الطابق السفلي وقت القصف، بينما بقي ثمانية آخرون تحت الأنقاض.

بعد يومٍ كاملٍ من الحفر تمكّن فريق الدفاع المدني من انتشال ست جثث من تحت الركام، بينما لم يعثر على جثتي ابنته ناهد وزوجة ابنه، وعندما سألهم، قالوا له: "الاحتمال الراجح أن الجثتين تبخرتا بفعل شدة الانفجار".

يقول أبو نضال (50 عامًا): "اتصلتُ بفرق الدفاع المدني والإسعاف لانتشال جثث بقية عائلتي، لكن الاحتلال منعهم من الاقتراب. بقيت ثلاثة أسابيع أنتظر انسحاب الجيش لأعود إلى المنزل مع فرق الإنقاذ".

وبعد يومٍ كاملٍ من الحفر تمكّن فريق الدفاع المدني من انتشال ست جثث من تحت الركام، بينما لم يعثر على جثتي ابنته ناهد وزوجة ابنه، وعندما سألهم، قالوا له: "الاحتمال الراجح أن الجثتين تبخرتا بفعل شدة الانفجار".

"خيم محترقة"

وعلى غرار أبو نضال، تعيش مريم زياد (40 عامًا) مأساةً مماثلة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن تبخرت جثامين شقيقتها وفاء (26 عامًا)، وزوجها، وأطفالهما الثلاثة، إثر قصف إسرائيلي استهدف المخيم الذي كانوا ينزحون فيه.

تقول مريم: "كنت معها قبل ساعة من القصف، قالت إنها ذاهبة للنوم بخيمتها، وقد سبقها زوجها وطفلها. وقع الانفجار عند منتصف الليل، وهرعتُ إلى هناك".

وتتابع: "كان المشهد مروعًا، حفرة ضخمة، خيم محترقة وأخرى ابتلعتها الرمال، بينها خيمة شقيقتي. بحثنا طوال الليل حتى الصباح، ولم يجد الدفاع المدني أي أثر للجثامين (..) قالوا لي إنها تبخرت".

لم يتمكن سرحان حسن (42 عامًا) أيضًا من توديع شقيقه إبراهيم، الذي قضى في قصفٍ استهدف المربع السكني الذي كانت تقيم فيه عائلته.

في اليوم التالي، عثرت فرق الإنقاذ على أشلاء متناثرة جُمعت ووُضعت داخل أكياس بلاستيكية.

يقول سرحان: "عثروا على جزء من رأسه فقط، من الواضح أن باقي جسده ذاب من شدة القصف. تمنيت لو احتضنته وقبلته للمرة الأخيرة".

الدفاع المدني في حيرة

مسألة تبخّر الجثث وضعت فرق الدفاع المدني في دائرة الحيرة، إذ لم يسبق لها مواجهة مثل هذه الظاهرة في الحروب السابقة.

يقول محمد المغير، مدير إدارة الإمداد والتجهيز بالدفاع المدني: "في كل مرة تختفي جثث بعد انفجار، يسألنا الأهالي: أين جثث أبنائنا؟ لكننا لا نملك إجابة".

ويُفسّر المغير هذه الظاهرة بأن الضحايا ربما كانوا في مركز سقوط القذيفة التي تولد حرارة بين 7000 إلى 9000 درجة مئوية، فتؤدي إلى إذابة الأجساد وتفتتها إلى جزيئات تتبخر أو تختلط بالرمال، ولهذا لا تُنقل إلى المستشفيات ولا تُسجَّل في وزارة الصحة.

"عمارة المهندسين" بمخيم النصيرات، كانت تأوي أكثر من 360 شخصًا، وبعد أربعة أيام من البحث، تم انتشال 180 جثة فقط، فيما اختفت أكثر من 100 جثة لم يُعثر لها على أثر.

ويشير إلى نقص المعدات والعناصر البشرية نتيجة استهداف مرافق الدفاع المدني، ما يدفعهم أحيانًا لاستخدام أدوات بدائية كـ"الشاكوش" أو الجرافات للنبش، "وفي المباني متعددة الطوابق نستخدم حفارات ومولدات لتكسير الخرسانة والبحث في المناطق المرجّح وجود مفقودين فيها" يضيف.

ويدلل المغير على أكبر عملية تبخر شهدها القطاع، في قصف "عمارة المهندسين" بمخيم النصيرات بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الثاني 2023م، حيث كانت تأوي أكثر من 360 شخصًا، وبعد أربعة أيام من البحث، تم انتشال 180 جثة فقط، فيما اختفت أكثر من 100 جثة لم يُعثر لها على أثر.

توثيق دولي لجريمة

منظمة هيومن رايتس ووتش وثّقت الهجوم ذاته في تقرير صدر في أبريل/نيسان، وذكرت أن المبنى تعرّض لأربع قنابل جوية مباشرة دمّرته خلال 10 ثوانٍ. ولم تجد المنظمة أي دليل على وجود هدف عسكري، ما يجعل الضربة عشوائية وغير قانونية بموجب قوانين الحرب.

بدوره، دعا المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية لفحص الأسلحة المستخدمة من قبل "إسرائيل"، بما في ذلك قنابل تولّد حرارة عالية تؤدي إلى تبخر الأجساد، عادًا أن استخدامها ضد المدنيين جريمة حرب.

وقال المرصد: "إن القانون الدولي الإنساني يحظر استخدام القنابل الحرارية في المناطق المأهولة بالسكان، بموجب اتفاقيات "لاهاي" 1899 و1907، واتفاقيات جنيف لعام 1949م، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي يونيو/حزيران، نشر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تقريرًا حول ست هجمات كبرى شنّها الجيش الإسرائيلي في غزة خلال العام الماضي، تضمنت استخدامًا مشتبهًا به لقنابل موجهة من أنواع GBU-31 (2000 رطل) وGBU-32 (1000 رطل) وGBU-39 (250 رطل)، التي تستخدم على الأغلب لاختراق عدة طوابق من الخرسانة، ويمكنها تدمير هياكل منشآت مرتفعة بالكامل.

وخلص التقرير إلى أنه "وبالنظر إلى مدى اكتظاظ المناطق المستهدفة بالسكان، فإن استخدام سلاح متفجر يمتلك هذه الآثار واسعة النطاق، من المرجح أن يرقى إلى حد الهجوم العشوائي المحظور".

دعوات لفتح تحقيق دولي

من جانبه أدان الحقوقي صلاح عبد العاطي، من الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، استخدام الاحتلال أسلحة محرّمة تؤدي إلى تبخّر الأجساد وتدمير الممتلكات.

وأشار إلى قنابل فراغية وقنابل "هالبر" الانتقامية، التي تعد من بين أخطر أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، وتؤدي إلى إذابة الجثامين، قائلًا: "إن استخدام هذه الأسلحة ينافي القانون الدولي الإنساني، الذي يحدّد قواعد اختيار الأسلحة وأساليب الحرب، ويُجرّم استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين، وفق اتفاقيات جنيف ولاهاي.

وتابع: "المادة 8 من نظام روما تجرّم استخدام الغازات الخانقة أو السامة، وكذلك الأسلحة والمقذوفات التي تسبب دمارًا عشوائيًا".

"أكثر من 90  ألف طن من المتفجرات أُطلقت على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول، بما يعادل أربع قنابل ذرية كقنبلة "هيروشيما"، وتضمنت صواريخ تزن حتى2  طن، وقنابل يصل مداها إلى 28 كيلومترًا".

وذكر الحقوقي أن أكثر من 90  ألف طن من المتفجرات أُطلقت على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول، بما يعادل أربع قنابل ذرية كقنبلة "هيروشيما"، وتضمنت صواريخ تزن حتى2  طن، وقنابل يصل مداها إلى 28 كيلومترًا.
وطالب عبد العاطي بتحقيق دولي لمحاسبة قادة جيش الاحتلال، وكذلك الدول التي زوّدت "إسرائيل" بهذه الأسلحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أخرى.

يأتي ذلك في وقتٍ لا تزال فيه مريم زياد، التي عايشت حروبًا عديدة في غزة، لا تصدّق أن جثة شقيقتها اختفت. تعقب بحرقةٍ وهي تبكي: "قد تتحلل الجثامين بعد بقائها طويلًا تحت الركام، لكن كنا على الأقل نجدها ونتمكن من دفنها. اليوم لا يوجد لها أي أثر".