غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"عبد اللطيف، وأسماء، وأماني، ونايف، وروان، وحلا، وجنان ذات الـ3 أعوام" سبع حيوات في بيتٍ كان يضجّ بأحلامهم وضحكاتهم قتلهم صاروخٌ إسرائيلي في أقل من ثانية.
"قتلهم، وتركني وحدي أصارع ألم الفقد وقهر الذكريات" تقول والدتهم أم ياسر نصار لـ"نوى" وتبكي.
الجمعة، الثامن عشر من نيسان/ إبريل 2025م، استهدفت طائرات الاحتلال الطابق الخامس في بيت عائلة نصار، الكائن بحي الزيتون، جنوب شرقي مدينة غزة. كان الكل يستعد لصلاة الجمعة، ولم يكن أحد منهم يتخيل أن هذا الاستعداد سيكون لرحيلٍ جماعيٍ لا مُهلة فيه ولا وداع.
تعود الأم المكلومة بذاكرتها إلى تلك التفاصيل، وتقول: "وضعت الماء على موقد الحطب على السطح في الطابق السادس، وعدت لأتناقش مع أفراد أسرتي حول ما يريدون أن يأكلوه. طلب نايف أن أطهو أرز القدرة مع الإكثار من التوابل، لكن أماني كانت صائمة، خلا وأسماء وابنتها جيهان الصغيرة كانوا يستعدون للذهاب إلى الصيدلية، بينما روان تجلس على مكتبها وتستعد لامتحانٍ قادم".
تركت الأم المشهد على تلك الشاكلة، وخرجت من باب الشقة نحو السطح لتجلب ماء الاستحمام لزوجها. صعدت 10 درجات "كانت الفيصل بين حياة الأم وارتقاء أفراد أسرتها السبعة!
"كل شيء تحول إلى دخان. كل الناس يصرخون ولا صوت يصدر من بيتي. رأيت أجسادهم تتطاير، بعضها قُذف إلى الشارع، وبعضها على أسطح الجيران ببعد مئات الأمتار" تضيف بحرقة.
أثناء اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيَّ الزيتون في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2023م، اتخذت قناصتهم بيت عائلة نصَّار بطوابقه الستة ثكنة عسكرية، وعند الانسحاب أحرقوا طوابقه كلها، إلا أن العائلة بعد عدة أشهر أعادت استصلاحه والمبيت فيه.
تتابع نصَّار: "لم أتخيل في أسوأ كوابيسي، أن أقف في مجمع الشفاء الطبي لأتعرف على بناتي من ملابسهن وأصابع أيديهن الناعمة، وأن يُلهمني الله الصبر لأقف خلف صلاة الجنازة.. جنازة سبعة هم مهجة قلبي".
تُخبرنا: "عبد اللطيف كان خير زوج وسند، ونايف حبيب روحي طالب المحاسبة الذي أصابه القناص في قدمه وأُسر في مسلخ سدي تيمان، وعاش تجربة مؤلمة أوصلت قدمه اليُمنى حدّ البتر، ثم أُفرج عنه وقبع نازحًا وحيدًا في جنوبي القطاع".
"مثلي مثل كل أُمَّ في العالم، أتمنى أن أفرح، وأزف أبنائي وأطمئن عليهم، لكن هذا الحلم قُتل في مهده لما رأيتهم كلهم مكفنين بالأبيض".
تصمت أم ياسر لثوانٍ معدودة وتمسح دمعتها قبل أن تكمل: "عمن تريدون أن أحكي؟ عن أماني الممرضة التي تعمل في المستشفى الأردني وتُضمد جروح المصابين والمرضى، أم عن أسماء معلمة الابتدائية المتميزة التي فقدت زوجها ورضيعتها سيلين قبل 9 أشهر؟ عن روان طالبة الطب التي أُكنيها بدكتورة عائلتي المستقبلية، أم عن حلا طالبة المدرسة، التي لم تكن قد حسمت بعد أي فرع تود أن تلتحق به: العلمي أم الأدبي؟".
أصعب لحظةٍ عاشتها أم ياسر، كانت لما لم تستطع الكشف عن وجوه أبنائها وأجسادهم المتفحة والمقطعة! تحكي: "لساعات طويلة لم نستطع العثور على جثمان أسماء وابنتها جنان، لكن في اليوم الثاني، عُثر عليها على سطح جيراننا ببُعد 100 متر".
تتمتم السيدة وتبكي بحرقة: "مفتقداهم كثير.. والله لم أشبع منهم، لقد تركوني ورحلوا بلمح البصر"، وتزيد: "مثلي مثل كل أُمَّ في العالم، أتمنى أن أفرح، وأزف أبنائي وأطمئن عليهم، لكن هذا الحلم قُتل في مهده لما رأيتهم كلهم مكفنين بالأبيض".
تتساءل بغصّة: "ما ذنب هذه الأرواح الحالمة المُتعلمة أن تُقتل بلمح البصر؟ ما ذنبي أنا كي أعيش الفقد في اليوم ألف مرة، وأن أكابده وحيدة، بلا عائلة ولا أولاد.. كأن حياتي كلها لم تكن".