الضفة الغربية- غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"لم تسعني الفرحة.. بكيت"، بهذه العبارة، بدأت هبة شعبان (36 عامًا)، حديثها عن اللحظة التي استلمت بها طرد "درزة ثوب"، المرسل من مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية إلى محل إقامتها بكندا.
تقول: "بلهفة طفلة فتحت الطرد الذي يحمل بداخله ثوبًا مزينًا بتطريز مدينتي حيفا، وشعرت لبرهة أنني امتلكت جزءًا من فلسطين".
عشق فلسطين، كان دافع هبة منذ زمن بعيد، لمتابعة الصفحات المختصة بالأثواب والمطرزات الفلسطينية، و"درزة ثوب" لفتت الانتباه.
تعرض الصفحة أثوابًا طرزتها سيدات فلسطينيات يُعانين من تنغيصات الاحتلال الإسرائيلي، بدءًا من خروجهن لشراء الخيوط ومستلزمات الأثواب، وصولاً لتكدس أثوابهن على رفوف المحال نتيجة إغلاق أسواق البلدة القديمة.
تحكي هبة: "راسلتهم، وقررت شراء العديد من الأثواب التي أُغرمت بألوانها التي تُحاكي اللوحات الفنية. أرتديها في المناسبات الاحتفالية، وأشعر بالفخر حين أُعرف أصدقائي على التطريز الفلسطيني وأهديهم منها".
وترى هبة، أن ما تفعله -رغم المسافة البعيدة- هو "أقل واجب يمكن أن تقدمه لأصحاب المحلات التجارية في الخليل المحاطة بالاستيطان"، وتقول: "الشراء منهم يثبتهم ويساعد عائلاتهم على الصمود، وجودهم أكبر مقاومة".
وتنتشر في قلب مدينة الخليل خمس بؤر استيطانية أقيمت في مواقع تم الاستيلاء عليها بعد احتلال المدينة عام 1967م.
وتحكي ليالي عمرو (26 عامًا) حكاية مبادرتها "درزة ثوب"، التي تحمل الأثواب والمطرزات من الخليل المحاصرة بالاستيطان، وتنقل رائحة فلسطين إلى كافة أرجاء العالم.
تخبرنا: "نتيجة إغلاق قوات الاحتلال المحال التجارية بالبلدة القديمة، تتكدس الأثواب والمطرزات والنثريات التراثية في بيوت أصحابها ومحالهم، مما ينعكس سلبًا على قدرتهم على الصمود وتحصيل قوت عيالهم. هذه السياسة العنصرية دائمًا تشعرني بالحزن والإحباط، ويعز عليَّ أن تبقى مدينتي الخليل، مدينة أشباح يسكنها المستوطنون ويفرضون سيطرتهم عليها".
ويتوزع أكثر من 700 مستوطن، في بؤر استيطانية متناثرة في قلب الخليل، وسط إجراءات مشددة، تشمل إقامة عشرات الحواجز العسكرية، والكاميرات، وأبراج المراقبة، والأسلاك الشائكة.
تتابع صاحبة المبادرة: "رافقتني كاميرتي وهاتفي المحمول، إلى محال البلدة القديمة. التقطت الصور للأثواب وعرضتها مرفقة بالمقاسات على منصات التواصل الاجتماعي، تحت اسم "درزة ثوب"، كونها الوسيلة الأسهل للوصول لكل العالم.
تتابع عمرو: "لاقت الأثواب إقبالًا إيجابيًا داخليًا وخارجيًا، وبدأ المتابعون يتواصلون ويطلبون ما يناسبهم من الأثواب والخزفيات المصنوعة يدويًا! أمام ذلك تبدل قلقي وخوفي إلى فرحة، دفعتني للتوجه إلى أصحاب المحال وتفحص الأثواب، ثم شراءها وإرسالها إلى الغسيل والكيّ، وتغليفها بطوابع فلسطينية، ثم إرسالها عبر البريد الفلسطيني".
1829 محلًا تجاريًا أغلق أبوابه في البلدة القديمة بالخليل، و596 محلًا أغلق بأوامر عسكرية إسرائيلية، وما يزيد على 600، أغلقوا بسبب إغلاق المنطقة من قبل سلطات الاحتلال.
وعن المضايقات اليومية التي تتعرض لها ليالي، تهمس ببحة صوت مختنقة: "لا يخلو أي يوم من المنغصات الإسرائيلية، في إحدى المرات كان جنود الاحتلال يطلقون النار بشكل جنوني وعشوائي، انتظرت لساعات طويلة في أحد المحال خوفًا على حياتي، بالإضافة إلى صعوبة الحركة والتنقل والتفتيش وإغلاق الحواجز وفق مزاجية الجنود".
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، وفي إطار سياسة العقاب الجماعي، زادت قوات الاحتلال الإسرائيلي الخناق داخل الخليل، بالهجوم والاستيلاء على البيوت وتقييد حرية الحركة والتنقل، وإغلاق المحلات التجارية بشكل دائم، وفرض سياسة حظر التجوال تمام السابعة مساءً.
وتزيد: "رغم كل التحديات، أكثر من 100ثوب حلق من أعلى الرفوف المكدسة وجاب العالم، نحو (أمريكا، وأستراليا، وفرنسا، وتركيا، وكافة دول الخليج). ارتداها فلسطينيو الشتات، وعرب، وأجانب، وهذا يدعو إلى الفخر حقًا".
في ساحة عين العسكر، داخل البلدة القديمة في الخليل، يمتلك بدر الداعور التميمي، بازاراً، يناهز عمره (370 عامًا) لبيع التحف والمصنوعات اليدوية.
الحفاظ على البازار، "عهد" متوارث من الأجداد إلى أحفاد الأحفاد، حيث "يجلب الحرفيون وبعض السيدات بضائعهم من أثواب ومطرزات وخزفيات و خشبيات؛ لعرضها داخل البازار من أجل مساعدتهم ومساندتهم في تسويقها".
يترأس التميمي تجمع الحرف التراثية بالخليل، ويثني على مبادرة "درزة ثوب"، التي ساهمت في دعم صمود الحرفيين، ويقول: "بين الحين والآخر تحضر ليالي وتلتقط صورًا للمنتجات، ثم تأتي بعد أيام لطلبها وشرائها ودفع ثمنها، مما يرسم الفرحة على وجوه أصحابها، ويدفعهم لإنتاج المزيد، والخروج من دائرة اليأس".
تعرض بازار التميمي إلى الحرق باشتعال المطرزات والكوفيات، من ثم التكسير والتحطيم والسرقة من قبل عصابات المستوطنين؛ لأجل إثناء صاحبه عن صموده ودفعه للتخلي عن تجار وحرفيي البلدة، لكن "صمودنا في وجه المستوطنين والاحتلال، أكبر تحدياتنا. ندعم المبادرات اليومية التي تهدف لِتشجيع الأفراد على زيارة المحال التجارية، والشراء بتنفيذ العروضات والخصومات والمسابقات، التي تعزز الرواية الفلسطينية والتراثية".
يحتوى البازار على العديد من القطع التي تحمل رمزيات(البطيخ وحنظلة، وغصن الزيتون، والعرس الفلسطيني)، ويسهم في دعم وتعليم الخريجين والعاطلين عن العمل، وأصحاب الأسر المتعففة، ويمنحهم دورات تعليمية في الخزفيات والخشبيات وفق احتياجات السوق.
ويؤكد صاحبه أن "منغصات الاحتلال لم تهدأ يومًا، لكن بعد الحرب على غزة، زادت أضعافًا، وبصورة أوسع من قبل المستوطنين، الذين يتبعون أساليب الشتم والقمع وزيادة مساحة الإغلاق للمحال دون المقدرة على تقديم الشكاوي بحق ما يفعلونه" يعقب.
يُسهم التميمي بتعريف السياح والوافدين على مدينة الخليل، ويقدم للأجانب الرواية الفلسطينية كاملة. يختم حديثه لـ"نوى" بقوله: "قد ما نقدر نحاول نصمد. ما راح نترك البلدة القديمة للاحتلال ومستوطنيه أبدًا".