غزّيون أكلوا "السلاحف": "وصلنا لأسوأ حال"! (صور)
تاريخ النشر : 2025-05-11 14:33

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لا يبدو الصياد عبد الحليم قنن سعيدًا بالحال التي أوصلته إلى اصطياد سلحفاة وتناول لحمها، ويقول لـ "نوى": "عندما نضطر لتناول لحوم السلاحف فهذا يعني أننا في قلب المجاعة والموت".

ومنذ بدايات عمله بمهنة صيد الأسماك في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان هذا الصياد الستيني وأسوة بكل صيادي غزة يعيدون السلاحف التي تعلق بشباكهم عن طريق الصدفة إلى البحر مرة ثانية، "ولم نفكر ولو مرة واحدة في أكلها" يخبرنا.

ولأول مرة، ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية، لحوم السلاحف في أسواق قطاع غزة، ويباع الكيلو الواحد منها بنحو 100 شيكل، في ظل اختفاء مختلف أنواع اللحوم الحمراء والبيضاء والدواجن خلال الشهرين الماضيين، وفي أعقاب قرار الاحتلال الإسرائيلي تشديد الحصار وإغلاق المعابر، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية لأكثر من مليوني إنسان يتضورون جوعًا على وقع موت يتربص بهم من كل حدب.

ويقول قنن: "كل الكائنات البحرية محلل أكلها، ولكننا في غزة لم نعتد على تناول هذه الكائنات، وكنا نستغني عنها لتوفر الأسماك، وكذلك لتوفر لحوم الماشية والدواجن وأنواع أخرى من الطيور".

وفرضت تداعيات الحرب الإسرائيلية المستعرة والمستمرة للشهر الـ 19 على التوالي، ظروف حياة قاسية على الغزيين، وقد اشتدت عليهم المجاعة وفتكت بهم، وبحسب توثيق هيئات محلية فإن عدد ضحايا الجوع ارتفع إلى 57، غالبيتهم من الفئات الهشة، أطفال ونساء ومرضى.

"ويا ليتها تقف عند أكل السلاحف"، يقولها قنن وهو يعبر عن خشيته من استمرار الحرب والحصار، واشتداد الأزمة، وتفشي الأمراض والأوبئة، نتيجة المجاعة وعدم توفر الغذاء والدواء.

ويغامر أبناء قنن بنزول البحر في ظل مخاطر حقيقية تتربص بالصيادين، وأودت بحياة العديد منهم، نتيجة نيران الزوارق الحربية الإسرائيلية التي تجوب البحر على مدار الساعة، وتحظر عليهم ممارسة مهنة الصيد.

وفي مثل هذا الوقت من الموسم تضطر السلاحف إلى الاقتراب من شاطئ البحر، ويسهل على الصيادين اصطيادها سواء بالعثور عليها على الرمال، أو على مسافة قريبة من الشاطئ. ويحكي قنن، الذي ينحدر من عائلة لاجئة من بلدة الجورة وتشتهر بالعمل بمهنة صيد الأسماك، إن هذه هي تجربته الاولى في تذوق لحوم السلاحف.

وتمر عملية تجهيز لحوم السلاحف للطبخ بمراحل صعبة ومعقدة، تبدأ بمرحلة بالذبح والسلخ التي تستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا بسبب عظامها ودرعها القاسيين، ومن ثم تأتي مرحلة تقطيع اللحم.

وفي وعاء بلاستيكي يسمى شعبيًا بـ "الطشت"، وضعت الحاجة ماجدة قنن (63 عامًا)، لحم السلحفاة، وأخذت تنظفها بالماء مرات ومرات، وبعد ذلك وضعتها في قدر على النار لدرجة الغليان 3 مرات متتالية، وفي كل مرة تقوم بتغيير الماء، وحسبما تقول لـ "نوى": "هذه الطريقة تضمن التخلص من "زفارة" لحمها، قبل أن يتم طبخها بإضافة التوابل المناسبة".

وتوضح الحاجة ماجدة أنها تطوعت للقيام بهذه المهمة الصعبة، وهي المرة الأولى في حياتها التي تقوم بطبخ لحم سلحفاة، وكانت وجبة لنحو 13 فردًا من عائلتها، يقيمون في خيام بمنطقة المواصي، بعدما دمرت قوات الاحتلال منازلهم في حي الأمل غربي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، إبان الاجتياح البري للمدينة في ديسمبر/كانون الثاني من العام 2023م، واستمراره لنحو أربعة أشهر.

ويفسر الصياد محمد النجار ارتفاع أسعار لحوم السلاحف المعروضة في أسواق قطاع غزة، بكونها قليلة ونادرة وغير متوفرة باستمرار، وكان اللجوء إلى تناولها اضطراريًا، جراء عدم توفر لحوم العجول والأبقار والدواجن والطيور، متسائلًا باستغراب: "هل يعقل أن يباع زوج الزغاليل (فروخ الحمام) بنحو 300 شيكل؟".

ويقول هذا الصياد النازح من مدينة رفح، وقد خسر قاربه ومعدات صيده: إن "الحرب لم تبق شيئًا على حاله"، ويضيف لـ "نوى" وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة لم تخفِ الحياة البائسة التي يعيشها مع أسرته في خيمة قريبة من شاطئ البحر: "لما يصل الحال لأكل السلاحف يعني إحنا بأسوأ حال".

وتصف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الوضع الإنساني في قطاع غزة بأنه يفوق التصور، وقد تجاوز مرحلة الكارثة، مع دخول الحصار الإسرائيلي الشامل أسبوعه التاسع، ووسط تفشٍ كبير للمجاعة.

ووفقًا للوكالة الأممية، فإن مئات الآلاف من الفلسطينيين في القطاع يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، وأن أكثر من 66 ألف طفل يعانون من سوء تغذية خطير.