(Osprey V).. "عُقابٌ جارح" يحلق بصوته بين ركام "غزَّة"
تاريخ النشر : 2025-04-08 15:05

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"هل أنا مجنون لأعزف على جيتاري وسط الحرب وبين الدمار؟" كان راجي الجرو يسأل نفسه، كلما جلس في سيارته الموصدة، وعبث بأوتار جيتاره الذي نزح معه مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نحو الجنوب.

وإن كان ما سأله لنفسه ضربًا من الجنون تحت نيران القصف، إلا أنه كان يفعلها. يقطع مسافات طويلة في طرقٍ يفترشها الركام حتى يصل مدينة رفح. يسجل كلمات أغانيه الزاخرة بحكايا غزة، والموثقة لمجازر المحتل، ثم يرسلها إلى العالم عبر شبكة إنترنت ضعيفة، ليعود من نفس الطريق، يرافقه القصف، ويحيط به الموت من كل جانب.

راجي الجرو، هو مؤسس أول فرقة روك في فلسطين، حملت اسم (Osprey V)، وعبرت بكلماتها وموسيقاها ورسائلها عن الظلم الواقع على الفلسطينيين في كل أرجاء الأراضي المحتلة.

في بداية الحرب، تعمد الاحتلال الإسرائيلي حذف قناة الفرقة على موقع "يوتيوب"، التي تضم كافة أعمالها المعبرة عن الواقع الفلسطيني المعاش، ولم يكتفِ بذلك، بل حجب وقيّد وصول أعمال الفرقة حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما يؤكد.

حملت الفرقة باسمها الذي يعني (العقاب الجارح)، رمزية التفوق والكبرياء والقدرة على مواجهة الصعاب، بينما يعني حرف (V)  بالرموز اللاتينية، رقم خمسة، بالإشارة إلى عدد أعضاء الفرقة.

بدأت حكاية الفرقة، أو "حلم الفرقة" كما يصفه الجرو، منذ الطفولة، عندما رافقه ابن عمه مؤمن في تعلم اللغة الإنجليزية، والعزف على الآلات الموسيقية بمجهود فردي وشخصي، في وقتٍ كان فيه إيجاد آلة موسيقية واحدة في قطاع غزة، ضربًا من ضروب المستحيل.

يقول: "أعضاء الفرقة الخمسة، كلنا لم يكن بيننا شخص متخصص بالموسيقى.. درسنا تخصصات متنوعة، ما بين المحاماة والمحاسبة والهندسة"، متابعًا: "جربنا العزف على الآلات المتاحة: جيتار، وبيز، ثم طبل، هكذا حتى عرف كل منا ماذا يريد بالضبط، وما الذي ارتاحت له يده وأذنه".

اليوم، يؤدي الجرو، دورًا رئيسًا في الفرقة كعازف "بيز"، وكاتب كلمات الأغاني، التي يستقيها على الأغلب من حياة الفلسطينيين، وآمالهم، وآلامهم.

ويتابع الشاب الذي يبلغ من العمر (35 عامًا): "كنت أعبر عن الفكرة، بكلمات قادرة على تحريك أفكار ومشاعر المستمعين، من خلال المعاني الإنسانية العميقة"، موضحًا أنهم اختاروا الإنجليزية لغة للأغنيات، من أجل إيصالها للمجتمع الغربي والعربي أيضًا "الذي باتت شريحة كبيرة بداخلة تفهم وتعي الإنجليزية، وتتعامل بها".

أول أغنية أطلقتها الفرقة، كان عنوانها "الوطن- Home"، وعبرت بكلماتها عن أن الوطن هو البيت، هو العالم، هو الكون، هو كل حلم مكسور، هو كل قلب مكسور، هو الوطن الجميل".

أول أغنية أطلقتها الفرقة، كان عنوانها "الوطن- Home"، وعبرت بكلماتها عن أن الوطن هو البيت، هو العالم، هو الكون، هو كل حلم مكسور، هو كل قلب مكسور، هو الوطن الجميل"، في حين أصدرت الفرقة أغنية أخرى بعنوان "ضائعة وآمنة - Lost and Secure"، وتحكي عن قصة شاب فلسطيني لجأ إلى أوروبا طلبًا لحياة أفضل له ولخطيبته، لكن الحرب على غزة أُعلنت، ففقدها دون وداعٍ حتى.

ويكمل: "في حرب الإبادة، فقد أعضاء الفرقة الاتصال والتواصل، كما دمر الاستوديو المخصص للعزف، بالإضافة إلى ويلات النزوح التي عايشناها جميعًا برفقة آلاتنا الشخصية".

وبرغم سوء الإنترنت، حاول أعضاء الفريق التواصل، وتحدوا الظروف المحيطة، ونفذوا إنتاجات جزئية، كان أكثرها انتشارًا "موطني"، بالتعاون مع الفنان عزيز مرقة.
وقتل الاحتلال الإسرائيلي 118 عاملًا في الحقل الثقافي، ما بين كتاب وفنانين وموسيقيين وسينمائيين، فيما دمر بشكل كلي وجزئي جميع المراكز و الجمعيات الثقافية خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، وفق وزارة الثقافة و الإحصاء الفلسطيني.
 يصمت مؤمن لعدة ثوانٍ، ثم يحدثنا عن الفرص التي قتلها الاحتلال وسرقتها الحرب من الفرقة: "كان هناك دعوة لوقوفنا على مسارح عربية وعالمية، فرنسا على رأسها، بالإضافة إلى محاولات تمويلية لإطلاق أول ألبوم يجمع كافة أعمالنا، والتقاء محترفين لإحداث نقلة نوعية احترافية للفرقة  عالميًا".

في عام 2022م، أحيت فرقة (Osprey V)  أول حفل عبر الإنترنت، وحمل عنوان: "أعيش من أجل غزة" بمشاركة  المغني البريطاني المناصر للقضية الفلسطينية "روجر ووترز"، بهدف جمع التبرعات لدعم الموسيقيين الفلسطينيين.

في عام 2022م، أحيت فرقة (Osprey V)  أول حفل عبر الإنترنت، وحمل عنوان: "أعيش من أجل غزة" بمشاركة  المغني البريطاني المناصر للقضية الفلسطينية "روجر ووترز"، مؤسس فرقة بينك فلويد، بهدف جمع التبرعات لدعم الموسيقيين الفلسطينيين.
ويخبرنا الحاصل على درجة الدكتوراه في علم الموسيقى والمقامات العربية، د. إسماعيل داوود: "قبل عامين في مهرجان "البحر والحرية" أدت فرقة (Osprey V) عرضًا موسيقيًا رائعًا باللغة الإنجليزية على مسرح المركز الثقافي الاجتماعي الأرثوذكسي العربي، مما دفع الجمهور للاستغراب والدهشة والتصفيق لمشاهدة هذا الإبداع الفني داخل قطاع غزَّة المحاصر".

ويقول: "حرب الإبادة قتلت الفرحة، وأطفأت أرواحنا كفنانين، بارتقاء العديد من زملائنا، وتدمير البيئة الفنية بشكل كامل من مسارح ومعاهد موسيقية حاضنة"، موضحًا أن هذا انعكس عليهم بفقدهم أعمالهم وأرزاقهم، "ومع اشتداد الإغلاق واستمرار الحصار تحطمت معنوياتهم، وأعيقت محاولاتهم تطوير تجاربهم الفنية".

ويزيد: "منذ عام 2022م حتى أول أيام حرب الإبادة، شهد قطاع غزة المحافظ تطورًا غير مسبوق في المشهد الفني، من حيث الإقبال على التعلم الموسيقي، وإقامة الاحتفالات الفنية، وحضورها من قبل طبقة واسعة ومثقفة، لكن الحرب دمرت كل ما بذل من جهود في هذا الإطار".

ويتابع: "الفنانون فقدوا آلاتهم الموسيقية القيمة المقدرة أسعارها بآلاف الدولارات، و إنتاج  أعمال موسيقية أصيلة نتيجة تدمير البيئة الفنية"، مستدركًا بقوله: "رغم ذلك ما زالوا يحملون الرسالة، ولم يثنهم الاحتلال عن إكمال مسيرتهم الفنية".

ويتساءل بقهر: "لماذا يقتل ويحارب الفنان في غزَّة؟! أين المؤسسات الحقوقية والدولية؟ نحن بحاجة لدعم وحماية وإيقاف الحرب التي لم تترك حتى الأصوات الندية على حالها بعدما أثقلتها بهموم الفقد والنزوح".