غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"عندما تطوعتُ لتعليم طلبة غزة، لمستُ لديهم إصرارًا عجيبًا على التعلم واكتساب المهارات. برغم كل ظروفهم كان التعليم أهم أولوياتهم، ولهذا أنا هنا الآن".
بهذا المختصر، بدأ معلم اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي خالد صبح حديثه لـ"نوى"، بعد نزوحه من مخيم "الفارعة"، التابع لمحافظة طوباس في الضفة الغربية، إثر العملية العسكرية التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي، لتشمل مناطق ومخيمات شمالي الضفة بالكامل.
تردد صوته عبر الهاتف متقطعًا، إثر سوء الإنترنت في منطقة نزوحه: "تحدي أطفال غزة لظروف النزوح والإبادة، دفعني لاستكمال رسالتي عبر هاتفي المحمول، برغم افتقادي لكافة أدواتي التعليمية لا سيما حاسوبي الشخصي، الذي حمّلت عليه المواد التعليمية الخاصة بي، والكتب، وأوراق العمل".
"حوصرت في منزلي 11 يومًا وبرغم ذلك أصريت على استمرار تقديم الحصص. خجلتُ من الاعتذار لطلبة غزة".
وأطلق الاحتلال عمليته العسكرية، التي أسماها بـ"السور الحديدي"، في 21 يناير/كانون الثاني، واستهدف من خلالها مخيمات جنين وطولكرم، وامتدت إلى محافظة طوباس، وخاصة طمون ومخيم الفارعة.
يضيف صبح: "حوصرتُ 11 يومًا، وبينما كانت قوات الاحتلال تقترب من بيتنا، كان الجميع يحذرون بعضهم، لكنني بقيت مصرًا على استمرار الحصص. صحيح ليس بنفس الجودة التعليمية في الوضع الطبيعي، لكنني كنتُ أخجل من الاعتذار أمام أهل غزة، الذين كانوا يحضرون حصصهم، بينما القصف حولهم وفوق رؤوسهم".
ويكمل بحرقة: "7سنوات في التدريس، لم تقدم لي ما قدمه لي تعليم طلبة غزَّة، منحتني التجربة حالة فريدة من نوعها، لا يمكن موازاتها بأي حالة أخرى"، مشيرًا إلى أن الاحتلال لا يترك فرصة لعرقلة العملية التعليمية في الضفة، على نفس الهيئة التي اتبعها في غزة، لا سيما بنصب الحواجز، وتفتيش الطلبة والمدرسين، ومنع وصولهم إلى مدارسهم، وتجريف البنية التحتية، "بالتحديد في شوارع المدارس، ما يتسبب بوصول صعب للطلبة، وضغوط نفسية تضاف إلى ضغوط الحياة تحت الاحتلال".
في غزة، يثمّن الطلبة دور أساتذة الضفة الغربية، ويرون في وجودهم بهدف استمرار العملية التعليمية "منحة مميزة" لم يحظَ بها شعب تحت النار، وفق ما تصف والدة الشقيقين عُدي ورهف طافش.
يتناوب الشقيقان عُدي ورهف على هاتف والدتهما المحمول؛ لحضور الحصص التعليمية يوميًا.
خلف جدار الغرفة المتصدّع، الذي جرّفته الدبابات الإسرائيلية أثناء دخولها حي الزيتون، شرقي قطاع غزة، تتأفف رهف، وتشد على أناملها، فقد تأخرت قليلًا على الحصة، بسبب جولة الترتيبات اليومية لبدء الدراسة، التي تبدأ بجلب الهاتف من نقطة الشحن، وتمر بشراء بطاقة الإنترنت، ولا تنتهي عند تجهيز الأوراق لتلخيص الدروس وحل المسائل والمعادلات بسبب ما يحدث من انقطاع للإنترنت، أو اعتذار لبعض الأساتذة نتيجة الأوضاع الكارثية في الضفة الغربية.
تعي الطفلة ذات الـ (13 ربيعًا) الواقع الذي يعيشه أساتذتها هناك، لكنها تتمنى لو أن الدراسة تنتظم.
"أحلم بالعودة إلى المدرسة، الصف الدراسي، والمعلمة، والسبورة، والفسحة، والصديقات، بدون الجلوس خلف شاشة مضيئة، على منصة( Teams) تيمز".
تزيد: "أحلم بالعودة إلى المدرسة، الصف الدراسي، والمعلمة، والسبورة، والفسحة، والصديقات، بدون الجلوس خلف شاشة مضيئة، على منصة( Teams) تيمز".
تعترض رهف على مدة الحصة، وعدد الطلبة فيها، وانتهائها في كل مرة دون أن يأتي دورها في المشاركة، بالإضافة لانقطاع الإنترنت أكثر من مرة خلالها، بالشكل الذي يعيق وصول المعلومات كاملة للطالب.
بكت رهف أثناء نزوحها من بيتها خلال أكتوبر 2023م، على مدرستها "المجدل الأساسية" للطالبات، التي رأتها أكوامًا من الحجارة والركام. نعم، دُمرت المدرسة، فكانت واحدةً من ضمن 70 مدرسة حكومية دمرها الاحتلال كليًا.
"عدي بالصف الأول، ولكم أن تتخيلوا ما يعنيه أن تبدأ الأم بتأسيس طفل، وحدها دون أن يذهب إلى المدرسة: كتابة الحروف، وتجميع الكلمات، والأرقام الحسابية، وغيرها".
من الساعة الخامسة فجرًا، تبدأ والدة الشقيقان يومها، وتنهي كافة أعمالها البيتية، للاستعداد لمرافقة أطفالها في فصولهم التعليمية الافتراضية.
تقول لـ"نوى": "قبل5 أشهر، بدأ أطفالي العام الدراسي الافتراضي، بدراسة المواد الأساسية الأربع (اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم). أحاول جاهدة الموازنة بين الساعات المتعارضة، بتقديم حصص المواد الصعبة، على باقي الدروس الأخرى".
عُدي هو طالبٌ في الصف الأول الابتدائي، "ولكم أن تتخيلوا ما يعنيه أن تبدأ الأم بتأسيس طفل، وحدها دون أن يذهب إلى المدرسة: كتابة الحروف، وتجميع الكلمات، والأرقام الحسابية، وغيرها".
وبرغم وجود مبادرات تعليمية وجاهية في الخيام، وبعض المراكز المدمرة جزئيًا، إلا أن خشية أم عدي على أطفالها، دفعها للاكتفاء بالتعليم الإلكتروني.
تضيف: "نرى في تطوع أساتذة الضفة لتعليم أطفال غزة أمرًا مميزًا في الحقيقة. رغم ظروفهم الصعبة التي يعيشونها هناك بسبب الحواجز والإغلاقات، نجدهم في بعض الأحيان يعتذرون عن الحصة كونهم يصلون بيوتهم وقت المغرب، أو أنهم يتأخرون عنها بسبب تنغيصات المحتل"، مردفةً بابتسامة: "جهودهم مقدرة، وتطوعهم سيذكره أطفال غزة طوال الوقت.. لقد كانوا طوق نجاة في عرض بحر الإبادة".
وضمن استراتيجية الاستجابة السريعة لوزارة التربية والتعليم، تم التنسيق بين شطري الوطن في مدينة غزة والضفة المحتلة، والاتفاق على معلمين متطوعين بالضفة لقيادة المدارس الافتراضية، وتصميم البدائل التعليمية المتاحة، وفقًا للناطق باسم وزارة التربية والتعليم بغزة مجدي برهوم.
بعد انقطاعٍ دام نحو 18 شهرًا عن العملية التعليمية في مدارس قطاع غزة، استأنفت الوزارة العملية التعليمية في 23 فبراير/ شباط للعام الجاري وفق خطة لانطلاق العام الدراسي الجديد.
ويقول لـ"نوى": "طرحنا 3 بدائل تعليمية لاستمرار التعليم في قطاع غزة، تمثّلت في التعليم عبر تطبيق (Teams) "تيمز"، للقيام بالتعليم المتزامن مما يتطلب وجود الطالب والمعلم بشكل مباشر، والتعليم عبر منصة (wise school) "وايز سكول"، للتعليم غير المتزامن، والذاتي من قبل الطالب، وأيضًا افتتاح نقاط تعليم وجاهية في بعض الخيام التعليمية".
بعد انقطاعٍ دام نحو 18 شهرًا عن العملية التعليمية في مدارس قطاع غزة، استأنفت الوزارة العملية التعليمية في 23 فبراير/ شباط للعام الجاري وفق خطة لانطلاق العام الدراسي الجديد.
ويكمل برهوم:" قبل بدء الدوام الوجاهي للطلبة المتواجدين في مناطقهم، فتحنا باب التسجيل لمدة أسبوع، من خلال التوجه لأقرب نقطة تعليمية للتسجيل فيها، وتشمل المرحلة الأساسية، المواد التعليمية الأربع (اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم) بمعدل دوام 3 أيام أسبوعيًا، بواقع 4 حصص يومية، بينما لطلبة الثانوية العامة اعتمدنا جميع المباحث".
ومع استمرار العملية العسكرية في الضفة الغربية، واستهداف مخيمات جنين وطولكرم وسعيه الدائم لعرقلة العملية التعليمية في الضفة، طرحنا سؤالًا على الناطق باسم الوزارة، عن الحلول التي يمكن تنفيذها حال تواصل التصعيد هناك، وأثر على استمرار العملية التعليمية في غزة كذلك، فأجاب: "معلمو الضفة أبدعوا في إدارة العملية التعليمة الافتراضية، لا نظن أنهم سيتراجعون قيد أنملة. سيستمر عطاؤهم هنا وهناك رغم كل الظروف، بالتعاون مع معلمي غزة".