موسمٌ ثانٍ بلا "فراولة".. الحرب سحقت "دُرّة الشمال"!
تاريخ النشر : 2025-01-22 13:24

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"في مثل هذا الوقت من العام، كنت أستيقظ مع ساعات الفجر الأولى على رائحة الفراولة، التي كانت تمتد على مساحة 40 دونمًا في أرضي" يقول المزارع سعيد الداعور بحرقة.

لم يصل الداعور (70 عامًا)، أرضه الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، منذ بدء الإبادة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حيث نزح وعائلته إلى خيمةٍ بالية بمدينة دير البلح وسط القطاع.

يحكي الرجل عن حسرته، بينما شاهد في مقاطع فيديو، صورًا لقادة الكيان الصهيوني، وهم يجوبون في أرض الشمال، ويسرقون ما تبقى من خيراتها، فيقول: "خسارتي لا تقدر يثمن، سواء المعنوية أو المادية، ومليارات الدولارات لن تعوضني عن رائحة تراب أرضي".
تُلقب الفراولة في قطاع غزة بـ"الذهب الأحمر"، ويسميها البعض بـ"دُرَّة الشمال"، حيث تشتهر مناطق شمالي قطاع غزة بزراعتها، وجودة إنتاجها منها، لا سيما في بيت لاهيا وبيت حانون، إلا أن هذا الموسم كما الذي سبقه! مرّ على شعبٍ قضى 15 شهرًا تحت الإبادة بدون "فراولة".

الداعور، كما يصف نفسه، من أوائل المزارعين الذين غرسوا الفراولة، في بداية السبعينيات، واحتضنتها أرضه بتربتها الخصبة ومياهها العذبة، "بل أكثر من ذلك، أن الفراولة التي كانت تنتجها مزرعتي، وصلت روسيا ودولًا أوروبية عديدة".

ويبدأ موسم الفراولة في أواخر شهر أكتوبر، في حين يتم تصدريها للسوق الأوروبي والمحلي في شهر نوفمبر، وصولًا لشهر مارس.

يضيف: "أجبرني الاحتلال الإسرائيلي على النزوح، وجرف أرضي، وحرق ما فيها من محاصيل (فراولة، وبطاطا، وخيار، وحمضيات)"، مشيرًا إلى أن نزوحه واجتياح الاحتلال للمنطقة، قطع أرزاق العمال والمزارعين في أرضه والأراضي المجاورة، الذين يعيلون أسرهم بيومية الأرض.

وكان موسم الفراولة، يوفر الفرص لمئات العمال خلال موسم الحصاد، فضلًا عن ارتباط آلاف أسر التجار والباعة بهذا الموسم، مما كان له دور في الحد من معدلات البطالة المرتفعة في المدينة المحاصرة منذ نحو 18 عامًا.

يخبرنا الداعور: "لم يهنأ بالي طوال فترة النزوح، ولطالما تواصلت مع جيراني وعمالٍ لي للاطمئنان، لكن أرضي لم تعد بخير، وأتمنى أن أتمكن من استصلاحها بعد العودة، وزراعتها من جديد".

ويتحدث المزارع وسام أبو عمرو (40 عامًا)، عن نزوحه من منطقة شمالي قطاع غزة خلال يناير 2023م، "وكنت وقتها أستعد لقطع 300 دونم مزروعة بثمار الفراولة" يقول.

ويضيف: "تأجرت أرضًا برفقة أبناء عائلتي، وزرعناها بالفراولة قبل الحرب، لكن دبابات وجرافات الاحتلال كانت أسرع منا فسحقت كل شيء وقلبت الأرض رأسًا على عقب".

ويتابع: "لقد أنفقنا على الموسم، غير قيمة استئجار الأرض، حراثتها، وتسميد التربة، ودق آبار للمياه العذبة، إذ يكلف تجهيز الدونم الواحد بشكل كمل ما يزيد على 5000 دولار".

المزارع أبو عمر، نازح اليوم في مناطق شرقي القطاع، لكنه حاول مرارًا العودة والوصول إلى أرضه خلال مرات انسحاب الجيش الإسرائيلي، المتفرقة. يصف ما شاهده هناك بالقول: "ممسوحة مسح، حاولت أن أستصلح 10 دونمات، وبحثت في الأسواق عن شتلات للفراولة، لكنها كانت مفقودة تمامًا".

بنبرة يعتصرها الألم، أكمل: "فراولة غزة لها مذاق عالمي، وقد اشتهرت بمنطقتي بيت لاهيا، كل الكلمات لا يمكن أن تصف خسارتنا لموسمين متتالين".

وتعرّض محصول الفراولة، لتدمير كامل بنسبة 100%، بخسائر اقتصادية ضخمة تقدّر بمليار دولار في الإنتاج فقط، دون إحصاء الأضرار في حرب الإبادة الإسرائيلية، وفق الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة محمد أبو عودة.
ويؤكد أبو عودة بأن "الاحتلال الإسرائيلي تعمد تنفذ جريمة حرب بالقطاع الزراعي، لا سيما بحق ذهب غزة الأحمر، لما له من قيمة على مستوى الاكتفاء المحلي والتصدير، وتكلفة إنتاجه العالية"، مشيرًا إلى أن تدمير البنية التحتية الزراعية كان ممنهجًا، بين تجريف وقلع وحرق الأراضي، بالإضافة لتدمير  المرافق المرتبطة بالإنتاج الزراعي من الجمعيات الزراعية وثلاجات التخزين والمشاتل.

"زراعة الفراولة بدأت في الستينيات بواقع 1.5 طن، ثم توسعت ووصلت مساحتها المزروعة إلى 4000 دونم بإنتاج سنوي يقدر بـ11 ألف طن، في حين بلغت كميات التصدير منها 5500 طن سنويًا".

ويضيف: "تخطى الاحتلال كل الخطوط الحمراء بتدمير الآبار الزراعية وضخ مياه البحر في الآبار الموجودة شمالي غزة، وتسبب في نزوح المزارعين وإفقاد 40 ألف شخص يعملون بالزراعة، مصادر رزقهم".
وأشار إلى أن زراعة الفراولة بدأت في الستينيات بواقع 1.5 طن، ثم توسعت ووصلت مساحتها المزروعة إلى 4000 دونم بإنتاج سنوي يقدر بـ11 ألف طن، في حين بلغت كميات التصدير منها 5500 طن سنويًا.
وذكر الناطق باسم الوزارة، أن "ما قبل الاجتياح الأخير لبيت لاهيا، تم زراعة مجموعة من الأراضي الزراعية بمساحة 1500 دونم، ثم دخل الاحتلال بكل قوة وجرف هذه الأراضي المزروعة، وخسرنا الإنتاج".

وحتى هذه اللحظة، يترقب المزارعون العودة إلى مزارعهم وأراضيهم، ويعاهدون أنفسهم بإصلاحها، ومحاولة إعادة الحياة إليها رغم الموت والدمار المنتشر هناك.