غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"حينما أغمض عيني أختنق. يخفق قلبي بسرعة كبيرة، وأخشى النوم كي لا يلاحقني نفس الكابوس" يقول الطفل أحمد ريان ببراءة لـ"نوى".
ما عاشه أحمد ليس كابوسًا، بل حقيقة تشبه أبشع كوابيس الأرض، عندما احتجز جسده لساعات طويلة تحت أنقاض بيته، الذي استهدفته الطائرات الحربية الإسرائيلية في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، قبل عدة أشهر، فنجا بجسده وترك روحه هناك، أسيرة اللحظات المرة بين الحياة والموت!
يضيف: "كلما وضعت رأسي على الوسادة أتذكر المشهد، وأرى ظلام الأنقاض يرافقني كلما أغمضت عيني لفترة قصيرة".
لم يجد الفتى فرصةً ليشغل نفسه عن الغرق في تلك الذكرى، أفضل من الالتحاق بدروس تعليم الموسيقى، برفقة عشرات الأطفال في معهد إدوارد سعيد.
يخبرنا: "بعدما استعدت عافيتي، التحقتُ بـ "مخيم سلامٌ لغزَّة"، وحملت بين أناملي لأول مرة الآلات الموسيقية وعزفت عليها: العود، والجيتار، والطبلة (..) في البداية شعرت بالخوف والرهبة، لكن هذا كله تحول لمشاعر اطمئنان عارمة، بعد أن أخرجتني الموسيقى من أجواء القصف والقتل والدمار الذي نعيشه".
"سلامٌ لغزة سلامٌ سلام، سلامٌ لكل العيون الحزينة" يصدح صوت أحمد مع أصوات عشرات الأطفال، داخل الخيمة التابعة لمعهد الموسيقى في شمالي القطاع، فيغطي على أزيز الطائرات الإسرائيلية، وسط أجواءٍ من الفرحة والتصفيق بين الأطفال الذين يلتفون في مجموعات دائرية حول مدربيهم، ويعزفون على الآلات باندماجٍ تام.
"رفضنا الاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، ولم نقبل بفكرة طمس الموسيقى والفن الفلسطيني، واندفعنا بإصرار لمواصلة رسالتنا الفنية ولو من داخل الخيام".
ودمرت طائرات الاحتلال الإسرائيلية، مبنى معهد إدوارد سعيد للموسيقى، وكل ما فيه من معدات وآلات عزف، إلا أن من بقي من مدربيه في شمالي القطاع، أخذوا على عاتقهم الاستمرار تحت النار، لترسيخ الجذور الفلسطينية، وبناء قلعة من الصمود قوامها حب الحياة.
يقول مدرب الموسيقى فؤاد خضر: "رفضنا الاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، ولم نقبل بفكرة طمس الموسيقى والفن الفلسطيني، واندفعنا بإصرار لمواصلة رسالتنا الفنية ولو من داخل الخيام".
ويتابع: "بدأنا في يناير الماضي، بأنشطة تفريغية نفسية وموسيقية استهدفت الأطفال في كافة مناطق الإيواء بشمال غزَّة، وشكلنا جوقات غنائية تضم 50 طفلاً".
أما عن التحديات فيخبرنا: "كانت كبيرة ومعقدة، بدءًا من شراء آلات موسيقية جديدة، تعرضت أيضًا للتدمير في أكثر من مرة لا سيما خلال اجتياح مخيم جباليا"، مشيرًا إلى أن إقناع العائلات بإلحاق أبنائهم بالجوقات الموسيقية كان صعبًا "في زمن شح فيه الطعام والماء، وفي ظل غياب التيار الكهربائي، والقصف المتواصل، ناهيك عن صعوبة العثور على أطفال من ذوي الأصوات الجيّدة".
تقتل قوات الاحتلال الإسرائيلي حوالي 4 أطفال كل ساعة في قطاع غزة، وقد ارتقى ما يزيد على 17,581 شهيدًا من الأطفال وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.
انجز خضر و فريق العمل معه الكثير من الفعاليات. يعقب: "أسسنا العديد من الجوقات في الشمال، أبرزها جوقة "بنات جباليا" المكوّنة من 50 طفلة"، مرجعًا إقبال الفتيات بشكل أكبر، على انشغال الذكور في الفئات العمرية المختلفة مع عائلاتهم في توفير احتياجات الحياة.
بعد كل اجتياحٍ تتشتت الجوقة (والحديث لخضر)، وتتدمر آلات موسيقة، "وإن فقدان أي آلة موسيقية، يشبه فقدان شخص عزيز على القلب" يضيف.
ويتحدث جمال خالد ، مدير المبيعات بشركة الجرو للأدوات الموسيقية، عن أن "الأعواد والجيتارات، كانت من أكثر الأدوات الموسيقية شراءً كونها شرقية نوعًا ما، وقريبة من مزاج الموسيقى العربية، كما أنها سهلة الحمل وقت النزوح".
ويزيد: "بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي أغلب الأستوديوهات في شمالي قطاع غزة، حاولنا أن نكون حلقة وصل بين الفنانين والاستوديوهات التسجيلية، من خلال استضافة الموزعين والملحنين دعمًا لاستمرار المسيرة الفنية"، مشيرًا إلى احتراق مخزن كامل للآلات الموسيقية بفعل القصف الإسرائيلي، وفقدان العديد من الآلات الموسيقية، بخسارة مكلفة جدًا.
يشدد الرجل على أهمية استمرار مبادرات المعهد، لما كان لها من دور في زراعة الأمل بقلوب ومسامع الناس، "وربط الأطفال بوطنهم، وحثهم على الصمود وبث الأمل في قلوبهم عبر الأغاني التي تعظم الأرض وتحكي عن قيمة الوطن، وأن كل صعب سيمر وينتهي يومًا ما".