طفولةٌ معذّبة بين "جالونَي" مياه.. في "شهداء الأقصى"!
تاريخ النشر : 2024-12-31 15:40

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"الحرب كبّرتني قبل الأوان"، تقول الطفلة خلود المنسي، التي تتحمل عبئًا ثقيلًا يفوق سنوات عمرها الـ (15)، وقد دفعها الحزن على شقيقتيها وشقيقيها الأصغر للعمل منذ شروق الشمس وحتى مغيبها في تعبئة المياه للصحافيين والنازحين بمستشفى شهداء الأقصى، بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

هذه الطفلة هي الأكبر بين 5 أطفال، في أسرة نازحة من مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع، وقد حطت بهم رحلة النزوح القسرية في محطات عدة، قبل أن ينتهي بها الحال هنا.

تقول لـ"نوى": "قبل نزوحنا للمستشفى، قعدنا (أقمنا) في منطقة النص بمواصي خان يونس لفترة بعد نزوحنا من مدينة رفح في شهر أيار الماضي".

قطعت خلود وأسرتها عدة كيلومترات، هي المسافة الفاصلة بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين، سيرًا على الأقدام، "والله شيكل ما كان معنا" تقول والدتها أم عمر المنسي (33 عامًا)، "ولم يكن لنا مكان نأوي إليه حتى عطفت علينا عائلة، وأقمنا لديهم في خيمة صغيرة".

تدمرت هذه الخيمة، وأصيبت خلود وأشقاؤها بجروح، في المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في "منطقة النص"، قبل بضعة شهور، وأسفرت عن عشرات الشهداء والجرحى، ودمار هائل في خيام النازحين المتلاصقة.

وجدت هذه الأسرة نفسها مجبرة على النزوح مجددًا، وكما كل مرة "على غير هدى"، حيث اللامكان، وقضت أيامًا في الشارع بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، "حتى تعاطف صحفي معنا ووفر لنا خيمة"، تقول أم عمر.

هذه المرأة هي زوجة لرجل جريح من الانتفاضة الأولى، ويعاني من 4 غضاريف، ولا يقوى على العمل الشاق، وأصغر أبنائها محمد (6 أعوام) مصاب بمرض بالرئة منذ أن كان رضيعًا في شهره السادس، وتضطر لقضاء وقت طويل بعيدًا عن باقي أسرته تتنقل به في المستشفيات، وقبل اندلاع الحرب كانت تجاوره في مستشفى الرنتيسي للأطفال ما بين أسبوع وأسبوعين.

وتحكي السيدة بقهر عن ابنتها خلود، التي تصفها بأنها عرفت الشقاء مبكرًا، وضحّت بسنة دراسية رغم تفوقها الدراسي وخطها الجميل، من أجل أن ترافق إخوتها وترعاهم في الوقت الذي كنت فيه هي منشغلة مع شقيقها المريض، "وأيضًا مع والدتي مريضة السرطان قبل أن تفيض روحها قبل فترة بسيطة، وكنت اضطر لمرافقتهما وأغيب لفترات عن المنزل" تضيف.

كان الأب كايد، والد خلود، عامل نظافة في شركة خاصة، وتقول الزوجة: "إنه كان يوفر الشيكل، وغالبًا لا يستخدم المواصلات من مخيم جباليا حتى عمله في مستشفى الشفاء بمدينة غزة ويسير على قدميه، من أجل الوفاء بالتزامات الأسرة ودفع إيجار المنزل".

"نعيش في خيمة ما فيها إلا فرشة واحدة، وبنموت من البرد خاصة بالليل، وحتى التكية أكلها ما بيكفينا".

وسط هذا الواقع المرير ترعرت خلود. تخبرنا: "حياتنا كانت صعبة، لكنها ليست مثل الحرب (..) حياتنا اليوم تحت الصفر". وتكمل: "نعيش في خيمة ما فيها إلا فرشة واحدة، وبنموت من البرد خاصة بالليل، وحتى التكية أكلها ما بيكفينا".

يبدأ يوم هذه الطفلة عند الساعة السابعة صباحًا، ولا تستغرق وقتًا في إعداد نفسها فليس لديها ملابس لتبديلها سوى ما ترتديه. تخرج من خيمتها نحو خيام الصحافيين والنازحين في ساحة المستشفى وفي محيطها، تلبي احتياجاتهم في تعبئة غالونات بلاستيكية بالمياه.

تتناول خلود غالونين سعة الواحد منهما 12 لترًا، وتصعد بهما خفافًا للطابق الرابع حيث قسم النساء والولادة في مستشفى شهداء الأقصى، وتنزل بهما ثقالًا وبظهر متقوس، متحاملةً على آلام ساعديها النحيفين، وتستمر على هذه الحال طالما وجدت من يريد تعبئة المياه، وأحيانًا تواصل حتى مغيب الشمس، لتجمع شواكل معدودة، تشتري بها ما يسد رمق أشقائها ووالدها المريض.

"ما حدا في غزة عارف وقتيش حيموت، هان الموت ما بيفرق بين صغير وكبير (..) أنا بنام وبقول يمكن ما يطلع علينا نهار وتنقصف خيمتنا".

كان حلم خلود أن تصبح صحفية، وتحرص في ذهابها وإيابها إلى خيام الصحفيين على الاستماع لهم، ومراقبة طريقتهم في الوقوف أمام الكاميرات، وقد أدركت خلال شهور الحرب كم هي مهنة قد يدفع صاحبها روحه ثمنًا لها، وتقول: "الاحتلال يستهدف الصحفيين لإخفاء مجازره".

لا تعلم هذه الطفلة إن كانت ستنجو من الحرب وتتحسن حياتها وتعود إلى مدرستها من أجل مواصلة تعليمها وتحقيق حلمها، وبكلمات تقطر حزنًا تقول: "ما حدا في غزة عارف وقتيش حيموت، هان الموت ما بيفرق بين صغير وكبير (..) أنا بنام وبقول يمكن ما يطلع علينا نهار وتنقصف خيمتنا".

وخلال العام الأول من الحرب، حصدت نيران قوات الاحتلال الإسرائيلي أرواح 5757 فتاة وطفلة دون عمر الـ 18 عامًا، منهن 364 طفلة رضيعة، أعمارهن أقل من عام، بحسب توثيق "وحدة نظم المعلومات الصحية" في وزارة الصحة.

ووفقًا لتوثيق الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، فإن الحرب حرمت زهاء 650 ألفًا، أكثر من 50% منهم من الفتيات، من التعليم الأساسي، وشردتهم عن مقاعد الدراسة في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، التي تعرضت غالبيتها للتدمير كليًا أو جزئيًا.