"جائعٌ" خدعته "قطعة جُبن".. تركَها "جندي" شمال غزة!
تاريخ النشر : 2024-12-29 11:14

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في غرفة العناية المكثفة، يمكث حسن فرج و14 فردًا من عائلته، بعد فرحةٍ عارمة، عاشوها لمدة ثلاثين دقيقة، قبل أن يكتشفوا أن قطعة الجبن التي وجدوها ضمن مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي في منزلهم بحي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، ليست إلا مادة (C_4) المتفجرة!

تحت أجهزة التنفس الاصطناعي، تبدو وجوه أفراد العائلة صفراء باهتة، أجسادهم متشنجة، تضرب أطرافها نوبات ارتجاجية عضلية، يرافقها غثيان مستمر. "ووسط كل هذا، لا يعلم الأطباء ما إذا كانوا سيتجاوزون هذه المحنة أم لا" تروي والدة حسن بحرقة.

تقول: "لم تتسع الدنيا لفرحة حسن عندما عثر على كيس أسود بداخله "جبن" وبعض المعلبات، أثناء تنظيفه غرفة أطفاله بعد انسحاب الجيش. سعادةٌ غامرة انتقلت لوجوه الأطفال كلهم حين أخبرهم والدهم بأنهم سيتناولون اليوم مناقيش الجبنة، وهم الذين لم يتذوقوها من زمن طويل".

تجهّزت الأم لصناعة المناقيش على فرن الطابون، بعد أن قدم لها ابنها قطعة مغلفة تشبه "الجبن" في لونها الأبيض ولزوجتها. تعقب: "لكنني لا أنسى رائحتها. كانت سيئة جدًا، لكننا لم نكترث أمام الجوع الذي ضرب بطوننا منذ أيام. فتحنا عنها المغلف، وقطعناها بالسكين لمربعات، ثم وضعناها على عجينة الخبز، وأسقطناها في الفرن".

كانت "المناقيش" تخرج تباعًا! يتناولها الأطفال بنهم شديد حتى أجهزوا عليها كلها. "وهنا بدأت الكارثة" تخبرنا السيدة الستينية.

بعد نصف ساعة فقط، بدأ الأطفال يصرخون ألمًا، ثم يتقيّؤون واحدًا تلو الآخر، حتى أغمي عليهم جميعًا، وسقطوا أرضًا.

تبكي الجدة حال أحفادها، وتكمل: "عانقت حسن، وصرخت بجنون. حركت جسده يمينًا ويسارًا دون جدوى"، مردفةً بقهر: "لم يعد لي سند غيره بعدما أُعدم والده في معتقل (سيديه تيمان). بينما أشقاؤه منهم من لا يعرف أحد عنه شيئًا، ومنهم من نزح إلى الجنوب".

هرع جيران عائلة فرج على صوت صراخ الأم والعمّات، واتصلوا  بالإسعاف، ونُقل حسن و 10 أطفال و4 نساء في سيارة الإسعاف دفعة واحدة  إلى المستشفى الأهلي العربي "المعمداني".

مادة "C_4"، هي مادة عسكرية متفجرة شديدة الخطورة، تحتوي على مادة (RDX) "آر دي  إكس" شديدة الانفجار، التي تستخدم في التصنيع العسكري.

كانت أصعب دقائق تمر على والدة حسن  في أروقة المستشفى. تحكي ودموعها تتساقط بغزارة: "لطالما نجونا من القذائف والصواريخ في مناطق متفرقة من قطاع غزة، لكننا لم نتخيل أن يلحق بنا الموت هنا -في بيتنا- على شكل "قطعة جبنة" من مخلفات الجيش الإسرائيلي".

ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي، كافة الحيل والأساليب لقتل المدنيين المتواجدين في مناطق تعاني التجويع، لا سيما في شمالي  قطاع غزَّة.

وانتشرت صور عديدة، ومقاطع فيديو، لمواطنين وجدوا بعد انسحاب قوات الاحتلال من مناطق عديدة، زجاجات مياه ومعلبات، بجانب مواد متفجرة وسامة داخل الطرود الغذائية.
ويحكي طبيب الطوارئ بمستشفى "المعمداني"، رمزي دلول: "استقبلنا 15 حالة تعاني من التشنج والتقيؤ المتواصل، وتظهر عليهم أعراض هبوط ضغط الدم. سألنا الأهل فقالوا إنهم تناولوا "جبنة" من مخلفات الاحتلال بكميات متفاوتة"، موضحًا أن حالة حسن كانت الأكثر تدهورًا.

يضيف: "رغم ذلك لم نتوقع أنها مادة متفجرة، فبدأنا بغسل المعدة اعتمادًا على الأعراض الظاهرة، لكن بعد أن جلب أحدهم الكيس الذي كان يحتوي على الجبن، وأخضعناه للفحص الفوري تبين أنها ليست قطعة جبن فاسدة، بل مادة (C_4) المتفجرة".
ومادة "C_4"، هي مادة عسكرية متفجرة شديدة الخطورة، تحتوي على مادة (RDX) "آر دي  إكس" شديدة الانفجار، التي تستخدم في التصنيع العسكري، مثل حشوات الذخائر والألغام، وتسبب انفجارًا قويًا مدمرًا، وفقًا للوثيقة الرسمية الصادرة عن مكتب المحاسبة الأمريكي عام 1990م.
ويتحدث دلول عن أن "هذه الحالة، هي الأولى التي تمر على قطاع غزَّة"، مشيرًا إلى أن الأطباء تعاملوا مع الحالات بالمستطاع، "غسل المعدة لأكثر من مرة، ثم تقديم علاجات ضد التشنجات والكهرباء، لكن لم تظهر كل الحالات نفس الاستجابة".

يردف: "أصيب الأب بنزيف دماغي شديد وجلطات وتشنجات متواصلة، فقدمنا له علاجات مكثفة، تمكنت من تخفيف بعض الأعراض، لكنه الآن يواجه صعوبات في النطق، وتبول لا إرادي لتأثره بسمية المادة، التي يبدو أنها أضعفت عنده الجهاز العصبي والهضمي والبولي بشكل كبير".

ويعد استعمال مادة (C_4) انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وهذا ما حدا بالطبيب لتحذير المواطنين بشكل حازم، "بعدم تناول أي أطعمة أو مشروبات يتركها الاحتلال خلفه لدى انسحابه من المناطق التي يجتاحها بين الفينة والأخرى".