غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
على أنغام موسيقية مميزة، وأغانٍ ارتبطت في أذهان الأطفال الغزيين بحلوى "غزل البنات"، يتجول الشاب أحمد البوجي بعربة صغيرة وعليها الماكينة الخاصة بإنتاج هذه الحلوى الشعبية المحببة لغالبية الأطفال، الذين يفتقدون حاجياتهم المفضلة بسبب تداعيات الحرب والحصار على قطاع غزة.
من الساعة الثامنة صباحًا وحتى ما بعد مغيب الشمس، يمتد يوم أحمد. يجول بعربته الصغيرة على مخيمات النازحين المتلاصقة في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس في جنوبي القطاع، وبين شوارع المدينة وأزقتها: "أنا أبحث عن الرزق، والأطفال يبحثون عني وينتظرون حضوري" يقول لـ "نوى".
وهذه ليست مهنة أحمد (28 عامًا) الأساسية، حيث كان يعمل في قطاع البناء، الذي أصيب بالشلل التام جراء تداعيات الحرب الإسرائيلية الضارية والمستمرة للعام الثاني على التوالي.
ونزح هذا الشاب مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وثلاثة أطفال من مدينة رفح في جنوبي القطاع على وقع الاجتياح البري الإسرائيلي للمدينة الحدودية مع مصر، المستمر منذ 6 مايو/أيار الماضي.
ويقيم مع أسرته ووالديه وأسرة شقيقه (11 فردًا) في خيمة واحدة بمنطقة المواصي، يقول: "ليس لنا دخل نعتاش منه، والأوضاع المعيشية مأساوية للغاية بسبب الحرب والحصار، وكان بيع غزل البنات فكرة اقترحها علينا أحد الأصدقاء".
تعاون أحمد وباقي أفراد العائلة من أجل توفير المال لشراء العربة وماكينة صناعة الغزل، ووفقًا له: "لم يكن الأمر سهلًا، ولم يكن لدينا المال المطلوب، واضطررنا لاستدانة 800 دولار من صديق؛ لشراء هذه العربة والماكينة وباقي المستلزمات".
تجاوز أحمد المعوقات والصعاب، وبدأ العمل على هذه العربة الصغيرة التي يقول إنه يتناسى تعبه أمامها، عندما يلمس الفرح في عيون الأطفال، الذين ذاقوا ويلات الحرب والنزوح والجوع.
ويضيف: "هذه العربة هي مصدر رزقي وسعادتي في ذات الوقت (..) والله بفرح كثير لفرح وابتسامات الأطفال وهم يركضون سعادة بالحصول على غزل البنات".
ويتحصل أحمد يوميًا من وراء هذا العمل على مبلغ يتراوح بين 40 و50 شيكلًا، ويقول: "الحمد لله رضا، واحنا أفضل من ناس كثير لا يجدون قوت يومهم (..) على الأقل احنا بنلاقي الطبخة وشربة المية".
ويحرص هذا الشاب على البيع بسعر رمزي، يساوي شيكل واحد لكل قطعة من غزل البنات.
ولكن كيف تتدبر أمورك في ظل غلاء السكر؟ يجيب أحمد: "صحيح، السكر هو المكون الأساس في صناعة غزل البنات، وخلال الفترة الماضية انقطعنا أيامًا عن البيع بسبب عدم توفره في الأسواق، أو لارتفاع أسعاره بشكل جنوني، حتى أن الكيلو الواحد منه وصل إلى 50 و 60 شيكلًا، وبهذا السعر "الشغلة ما بتجيب راس مالها".
يقول أحمد: "لا نستطيع رفع السعر، فالناس أوضاعها كارثية، وغالبية الآباء لا يعملون، والأطفال يحتاجون لما يسعدهم"، واستدرك بالقول: "لمواجهة الغلاء اضطررت إلى تقليل الكمية قليلًا والحفاظ على نفس سعرها".
وليس السكر وحده العقبة التي تواجه أحمد بشكل مستمر في هذه المهنة، التي تعتمد أيضًا على غاز الطهي، ويضطر إلى شرائه من "السوق السوداء" بسعر 45 شيكلًا للكيلو الواحد، فيما يباع رسميًا عبر نظام التسجيل الحالي (الرابط)، بـ 65 شيكلًا لكل ثمانية كيلوات.
وتتكون ماكينة غزل البنات من مجسم يضم محركًا للرأس بعد تسخينه، ما يدفع الرأس إلى إخراج النسيج الحلو الذي ينتج من السكر، ويكتسب خصوصيته وفق ما تتم إضافته من الألوان والنكهات.
ويقول أحمد "الماكينة تعمل على غاز الطهي، وكذلك تحتاج إلى بطارية خارجية يتوجب إعادة شحنها يوميًا على الطاقة الشمسية، وتكفي للعمل لنحو 8 ساعات"، ولا يمتلك غيرها، وهو ما يقيد حركته عن العمل لساعات أطول.
ويترقب الطفل يزن مرزوق (10 أعوام) قدوم أحمد بعربته الصغيرة المليئة بخيوط غزل البنات الملونة، ويعبر لـ "نوى" بفرح يتراقص في عينيه عن حبه لهذه الحلوى على بساطتها كقطعة من السكر، ويقول: "فش حاجة نشتريها زي زمان" ويقصد اختفاء خيارات الشراء من الحاجيات المفضلة للأطفال بسبب الحرب الضارية والحصار المشدد.
وهذا الطفل نازح مع أسرته وأفراد من عائلته (22 فردًا) من بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، ويقيمون في مدرسة، وببراءة يقول إنه "لا يتمنى شيئًا إلا العودة للشمال ولحياته الطبيعية".
ومن بعيد تشاهد الطفلة إخلاص ريحان (11 عامًا)، خيوط غزل البنات تتلألأ بألوانها الجميلة، وتصاحبها أغنية: "شعر بنات.. شعر بنات، للحلوين والحلوات"، وتقول هذه الطفلة النازحة مع أسرتها من جباليا في شمال القطاع: "بفرح كثير وبنبسط لما أسمع أغنية شعر البنات".
وتقيم هذه الطفلة مع أسرتها و4 عائلات من أقاربها (حوالي 24 فردًا) في غرفةٍ واحدة داخل مدرسة قريبة من مجمع ناصر الطبي، ويعتمدون في معيشتهم اليومية على ما يتوفر من طعام في تكيات خيرية، اضطرت الكثير منها للتوقف عن العمل بسبب شح المساعدات وغلاء الأسعار.
"شعر البنات أرخص حاجة نشتريها.. ومرات كثير ما بيكون معنا مصاري عشان نشتري منه".
وتقول قريبتها الطفلة منة (10 أعوام): "شعر البنات أرخص حاجة نشتريها.. ومرات كثير ما بيكون معنا مصاري عشان نشتري منه".
ويمنح أحمد بعض الأطفال البسطاء ممن لا يملكون الشيكل قطعًا بالمجان، ويقول: "الله أعلم بحال الناس، خاصة الأطفال الذين طحنتهم الحرب وحياة الخيام والنزوح".