صُوف "ريهان" يدثّر قلوبًا ترتجف.. في صقيع الخيمة!
تاريخ النشر : 2024-11-14 13:07

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"وجدتُها وجدتُها" صرخت "أم راكان" بفرحٍ، ثم احتضنت الصنارة وكراتٍ من الصوف وجدتها أخيرًا بين ركام منزلها المدمر بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة.

لم يكن الأمر سهلًا على ريهان شراب، المُكناة بـأم راكان (30 عامًا)، إذ استغرقت ساعات طويلة في رفع حجارة منزلها، بحثًا عن أدوات الغزل اليدوي، التي تصفها بأنها "الملاذ الأخير" من أجل غزل بضع قطع من الصوف لطفلها، وقد حل عليه شتاء جديد تحت الإبادة، بدون ملابس شتوية.

هذه الأم النازحة لديها طفلان: راكان (11 عامًا) وتوتو (8 أعوام)، وقد نزحت بهما خفافًا بالملابس التي يرتديانها، من المنزل الذي حولته قوات الاحتلال، بالإضافة لعشرات المنازل المجاورة له، إلى أكوامٍ من الركام والحجارة المتناثرة، خلال اجتياحها البري للمدينة في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

تمسك أم راكان بالصنارة بين يديها وتطيل إليها النظر، ثم تتابع غزل الصوف، وهي تقول: "عندما وجدتُها والتقطتها من بين الدمار فرحتُ جدًا وكأنني عثرتُ على كنز". لم يحدث ذلك من فراغ، فهي التي أعياها البحث في الأسواق عن بديلٍ ولم تجد، علاوة على عدم توفر هذه النوعية الجيدة من الصوف، التي دأبت على استخدامها في هذه الحرفة التي تمارسها منذ عشرة أعوام.

ولا تتوفر الملابس الشتوية في أسواق مدينة خان يونس ومناطق جنوبي القطاع، جراء منع الاحتلال إدخالها من خلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، فضلًا عن استمرار احتلال معبر رفح البري مع مصر، وتوقف تدفق المساعدات الإنسانية والبضائع عبره منذ اجتياح مدينة رفح في مايو/أيار الماضي.

"والمتوفر من ملابس شحيحة في الأسواق أسعارها باهظة للغاية، ولا تناسب غالبية الناس ممن أنهكتهم الحرب وأفقدتهم أعمالهم ومصادر رزقهم ومدخراتهم"، تقول أم راكان، التي تنحدر من عائلة شهيرة في جنوبي القطاع، وفقدت عددًا من أقاربها شهداء، إضافة إلى تدميرٍ واسعٍ في منازل العائلة وأراضيها الزراعية.

وتنظر أم راكان للنزوح كأكبر مآسي الحرب، حيث تفتقد الخصوصية والأمان والقدرة على تربية طفليها وتوفير احتياجاتهما الضرورية.

تخبرنا والوجع يعتصر قلبها: "خسرنا الكثير خلال هذه الحرب المسعورة، إنها تجربة قاسية ومريرة، فقدنا خلالها آلاف الأرواح، وودمرت منازلنا وممتلكاتنا والحصار يخنقنا، حتى أننا نعاني من أجل توفير اللقمة التي تسد جوع أطفالنا، والملابس التي تغطي أجسادنا وأجسادهم".

قبل اندلاع الحرب كانت أم راكان تمتهن حياكة الصوف وصناعة أصناف متنوعة من الملبوسات الشتوية، وتروجها إلكترونيًا من خلال صفحة خاصة أنشأتها على منصات التواصل الاجتماعي، وفي ظل أزمة الملابس الحادة التي تعصف بالغزيين ومئات آلاف المشردين في الخيام ومراكز الإيواء، تلقت رسائل عبر صفحتها من فلسطينيين يقيمون في الخارج، وهيئات إغاثية، يطلبون منها صناعة ملابس كهدايا لأسرهم وأقاربهم في غزة، أو لتوزيعها بالمجان على المحتاجين ضمن مبادرات خيرية.

وتواجه أم راكان أزمة في شح الصوف بالأسواق، وتقول: "المتوفر منه جودته رديئة وأسعاره مبالغ فيها وأضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب"، وتضيف: "أُحاول بقدر المستطاع انتقاء أفضل الموجود جودة وسعرًا؛ للمحافظة على استمرارية العمل، وأشعر بعظيم ما أصنع عندما ألمس الفرحة في عيون الأطفال والأمهات".

وتجبر الحرب الغزيين على البحث عن خيارات ووسائل مبتكرة؛ للتغلب على أزماتهم المركبة التي تعصف بهم، ويبرز من بينها اضطرارهم لإعادة تدوير البطانيات لملابس شتوية، أو باللجوء إلى بسطات الملابس المستعملة الشهيرة باسم "البالة"، وهي قليلة ولا تلبي الاحتياجات المتزايدة للنازحين ومشردي الحرب، الذين يواجهون الشتاء الثاني منذ اندلاع الحرب، وقد اهترأت ملابسهم والبدائل أمامهم محدودة للغاية.

"الغالبية من بين 2.2 مليون نسمة من سكان قطاع غزة، تعاني من تدهور حاد في واقعها المعيشي، وتواجه ظروفًا قهرية ناجمة عن المجاعة، وعدم قدرتها على تدبر احتياجاتها الأساسية، بما فيها الملابس الشتوية.

وبحسب بيانات وتقارير صادرة عن هيئات دولية وحقوقية، فإن الغالبية من بين 2.2 مليون نسمة من سكان قطاع غزة، تعاني من تدهور حاد في واقعها المعيشي، وتواجه ظروفًا قهرية ناجمة عن المجاعة التي تعصف بشمال القطاع وجنوبه، وعدم قدرتها على تدبر احتياجاتها الأساسية، بما فيها الملابس الشتوية وقد بدأ البرد ينخر الأجساد المنهكة في خيام مهترئة ومراكز إيواء متهالكة.