طفلةٌ بين معتقلين رجال.. ما قصة "جوليا"؟
تاريخ النشر : 2024-11-05 11:32

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"طفلة وحيدة بين عشرات الرجال الذين جرّدهم الاحتلال من ملابسهم" هكذا ظهرت جوليا أبو ورد (4 سنوات)، خلال نزوحها مع أسرتها من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة تحت القصف الجنوني.

بدأت القصة بعد ليلةٍ وصفتها الأمُّ واسمها أمل مطر بـ"العصيبة والمريرة". كان طفلاها يصرخان كلما هبط من السماء صاروخ، يبكيان ويتشبّثان بطرف ثوبها ليحظيا ببعض الأمان، هكذا حتى بدأ الجنود ينادون عبر مكبرات صوت الطائرات المسيرة "كواد كابتر" الناس، يطالبونهم بالخروج من منازلهم أو الموت فيها تحت القصف الشديد.

من أجل صغارنا أُجبرنا على الخروج -تخبرنا الأم- وتضيف: "سِرنا في طريقٍ تم تحديدُه من قبل الجيش المدجج بالأسلحة، سرنا في جماعات وافترقتُ عن زوجي بسبب إطلاق النار الكثيف وأوامر الجنود التي تعيق الحركة وتزيد من توترنا، كنت أحمل ابني وهو يحمل ابنتنا".

كانت أمل تبحث عن وجهيهما بين كل الوجوه الحزينة التي تبدلت ملامحها، لم تجدهما، لم يكن أمامها خيار التفكير بمصيرهما حتى. خطواتها ثقيلة وظهرها مقسوم لنصفين من شدة الألم، تدور حولهم الدبابات فتتطاير ذرات الرمال نحو وجوههم، يبتلعون الغبار ويكملون. لا مجال للتنفّس، فالوقت هنا من دم!

"كان الجنود يلتقطون صورًا لنا ونحن نمشي بين زخات الرصاص، يضحكون ويستهزؤون بنا، كانوا يغنون لنا بسخرية "وين الملايين، الشعب العربي وين".

خمس ساعات ونصف، في طريقٍ لم تكن تأخذ عشر دقائق بالسيارة في بلادٍ مُعبّدة بالإصرار على الحياة برغم كل الظروف التي كانت تحاول قتلها على مدار 17 عامًا من الحصار الإسرائيلي. لم تكن الوجهة معلومة، بل ما كان يهمّ أمل أن تنجو بطفلها الذي تحمله معها.

صمتت للحظة ثم تذكّرت أن شيئًا مهمًا عليها نقلهُ للعالم: "كان الجنود يلتقطون صورًا لنا ونحن نمشي بين زخات الرصاص، يضحكون ويستهزؤون بنا، كانوا يغنون لنا بسخرية "وين الملايين، الشعب العربي وين" ولهذه التفاصيل فسحة قاسية في قلب أمٍ تاهت عن زوجها وابنتها في دوامة موتٍ يراها العالم كلّه ببث حي ومباشر، دون أدنى أمل بفعل شيء لإيقافهم -تقول-.

بعد خروجها من المنطقة، أخذت تنتظر الذين يصلون بعدها لتسأل عن جوليا وأبيها. وصلت لحالة انهيار، ودارت في ذهنها سيناريوهات حدثت مع أناس سابقين. هل اعتقلوا زوجي وتركوا الطفلة وحدها؟ هل اختطفوها وتركوه هو؟ أو احتجزوهما الاثنين؟ حتى وصلها اتصال من رقم غريب، كان زوجها يخبرها أنهم أفرجوا عنه وعن الطفلة.

تحاول أمل أن تُنسي طفلتها تلك اللحظة، لكنها تعود لها في أوقات لتباغتها بأسئلة مرهقة: "لماذا تركتِني للجنود؟ كانوا يحملون أسلحة كثيرة ويدورون بدباباتهم حولنا"، تتحايل عليها بأن تنسى هذه التفاصيل، تعطيها هاتفها لتشاهد أفلام الكرتون فتفاجئها جوليا بأنها تفتح مقاطع انفجارات وقصف وتأتي لتقلّد الأصوات، تتعمّق أكثر بالتفاصيل وسط عجز تام من العائلة التي لا تزال تعيش تحت نيران الحرب في شمال قطاع غزة. تمر الأيام ثقيلة. لا شيء يشبه تلك الذكرى التي ستبقى خالدةً في ذاكرة طفلة، وستؤرخ لمرحلةٍ مُرّة من موت الأطفال والمدنيين والعزل.. على مرأى العالم كله ومسمعه.