نزوحٌ و"سرطان".. "مريضات" تحت الإبادة!
تاريخ النشر : 2024-10-10 16:11
صورة تعبيرية

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يطبق ثالوث المرض والخوف والنزوح على أنفاس الثلاثينية ميساء حسين، المثقلة بتوأم تحملهما بأحشائها للشهر الثامن.

وتزداد معاناتها مع آلامٍ تعتصرُ صدرها ولا تكاد تفارقها، ناجمة عن سرطان الثدي، الذي اكتشفت إصابتها به قبيل اندلاع الحرب بأسابيع قليلة.

كانت ميساء (30 عامًا) تعيش مع زوجها وطفليها في منزلهم بشمالي قطاع غزة، وقد أجبَرَتْهم الحربُ الإسرائيليةُ الضارية والمستمرة للعام الثاني على التوالي، على النزوح مرارًا منذُ أسبوعها الأول، والانتقال القسري من محطة إلى محطة، حتى أوصلتهم إلى مدينة خان يونس.

في مايو/أيار الماضي وعلى وقع الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة رفح، نزحت ميساء، وتقيم مع أسرتها حاليًا بمدرسة عبد القادر الحسيني القريبة من مجمع ناصر الطبي غربي المدينة الجنوبية. تقول: "النزوح المتكرر حرب لوحده، وهو معاناة نفسية وجسدية".

اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وكانت ميساء لتوها قد اكتشفت أن سرطان الثدي قد تسلل إلى جسدها وتوغل في صدرها، ولم تشعر به إلا بألم شديد أصابها، دفعها للتوجه إلى طبيب مختص، وبالتصوير والفحوص الطبية تبين أنه ورم سرطاني. 

كان ذلك قبل الحرب بشهر واحد فقط. وقتٌ لم يكن كافيًا من أجل انتظام ميساء ببروتوكل العلاج، وبينما يحتفي العالم بأكتوبر -الشهر الوردي- الذي تُنظَّمُ خلاله فعاليات للتوعية بمرض سرطان الثدي، وتحث النساء على أهمية الكشف المبكر والدوري، فإن ميساء وغيرها من مريضات السرطان في غزة لا تتوفر لهن الأدوية والعلاجات بسبب تداعيات الحرب والحصار.

وطوال عامٍ مضى، لم تتلقَّ ميساء أي أدوية أو رعاية، وبسبب حملها فإن الأطباء رفضوا منحها حتى المسكنات.

وتواجه هذه المريضة ما تصفها بآلام لا تحتملها الجبال نتيجة المرض والحمل، وتشير إلى أنها راجعت عيادة مؤقتة لمرضى السرطان في مجمع ناصر الطبي، ولكن الأطباء قرروا أن لا شيء يصلح لها قبل أن تضع حملها .. "يعني كمان شهر من الوجع".

وتعيش هذه المرأة وضعًا معيشيًا بائسًا للغاية، يزداد وقعه على قلبها كمصابة بالسرطان، حيث لا تتوفر المياه العذبة النظيفة الصالحة للشرب، أو الأغذية الصحية المناسبة لحالتها كالفواكه والخضار الطازجة، لشُحّها في الأسواق وارتفاع أسعارها بصورة لا تناسب غالبية الغزيين، الذين أفقدتهم الحرب مُدّخراتهم ومصادر رزقهم.

وللخمسينية سناء أبو العيش حكاية مشابهة لميساء، وهي التي وجدت نفسها في مواجهة مع السرطان ومعاناة النزوح والتشرد في آنٍ معًا.

تصف وضعها الصحي والمعيشي بالبائس، وتخبر "نوى" أن معاناتها مع السرطان تفاقمت جراء نزوحها 7 مرات، أصيبت خلالها بحساسية شديدة بالصدر، جراء استنشاق غبار ومخلفات الاحتلال.

سناء (58 عامًا) أرملة شهيد منذ 21 عامًا، وتعيل أسرة كبيرة، وقد فقدت أحد أبنائها شهيدًا خلال الحرب، وترعى أرملته وأطفالهما الخمسة، واضطرت للنزوح بهم من مدينة رفح عشية الهجوم البري الإسرائيلي، وتقيم في قاعة شبه مدمرة في الملعب البلدي بمدينة خان يونس.

اكتشفت سناء إصابتها بالمرض في العام 2019م، وكانت تراجع بشكل دوري في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وتقول: "طوال الوقت نعاني من شح الأدوية والعلاجات، فما بالكم في ظل الحرب والحصار؟".

ولم تتلق هذه المريضة أي علاجات خلال عام الحرب، وأظهرت صورة مقطعية إصابتها بحصى في الكلى، وتخشى ابنتها زينب من تفاقم حالتها مع ظهور ورم جديد بالصدر، لا تتوفر الإمكانيات لأخذ عينة منه وفحصها.

لا يسمح الوضع المادي لسناء أن تتناول الفواكه والأغذية الصحية -غير المتوفرة باستمرار في الأسواق- وإن توفرت فأسعارها باهظة.

ولا يسمح الوضع المادي لسناء أن تتناول الفواكه والأغذية الصحية -غير المتوفرة باستمرار في الأسواق- وإن توفرت فأسعارها باهظة، وتقول "احنا الغلابة لنا الله". تكمل عنها ابنتها زينب: "إن تناول المعلبات أثر عليها بشكل سلبي للغاية".    

وتدهور واقع مرضى السرطان مع خروج مستشفى الصداقة الوحيد المتخصص بالسرطان والأورام عن الخدمة، جراء استهدافه المباشر من قبل الاحتلال في الشهر الثاني من الحرب، ويقول مديره العام الدكتور صبحي سكيك لـ"نوى": "إن المرضى خسروا المستشفى الوحيد الذي يقدم لهم العلاج، وعصفت بهم الحرب وتشتتوا في الخيام ومراكز الإيواء، في ظل أوضاع متردية وكارثية وغير ملائمة".

د.سكيك: "خلال سنة من حرب الإبادة الجماعية، هناك 2000 إلى 2500 حالة إصابة جديدة بالسرطان تضاف إلى أكثر من 10 آلاف مريض بالسرطان".

واستنادًا لنتيجة فحوص سنوات سابقة، يقدر سكيك أنه "خلال سنة من حرب الإبادة الجماعية، هناك 2000 إلى 2500 حالة إصابة جديدة بالسرطان تضاف إلى أكثر من 10 آلاف مريض بالسرطان، يراجعون المستشفى قبل اندلاع الحرب".

وهؤلاء المصابون الجدد من النساء والرجال والأطفال، لم يتم تشخيصهم ولم يتلقوا علاجًا بالمطلق، وإضافة إلى حالات الإصابة العامة بأنواع السرطانات المختلفة، يتم تشخيص زهاء 360 مريضة جديدة سنويًا بسرطان الثدي، وبمعدل حالة مصابة واحدة يوميًا، بحسب سكيك.

ويصف هذا الطبيب الوضع الدوائي في غزة بالكارثي بالنسبة لمريضات ومرضى السرطان، ويقدر أن أكثر من 11 ألف مريضة ومريض بالسرطان بحاجة ماسة وفورية للعلاج بالخارج، ويحول دون سفرهم استمرار اجتياح الاحتلال لمدينة رفح، وسيطرته على المعبر البري الوحيد مع مصر.