غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
اختَفَت الضجّة، وصمتَت أصوات الألعاب وحركة الأطفال ونداءات أهاليهم. في منتجع بلدة حوارة جنوبي نابلس، استثمر صاحبه عبد الله عودة قرابة 10 ملايين شيقل قبل سنوات.
أنشأ متنزّهًا وحمامًا تركيًا ومنتجعًا يقدم خدمات سياحية وفندقية مختلفة، لكن مشروعه أصبح اليوم مهجورًا، بعد ما حل بحوارة في السنوات الثلاث الماضية.
يقول عودة: "عندما هجم المستوطنون هنا قبل عام أحرقوا كل ما وجدوه أمامهم، حتى بيتي القريب من هنا أحرقوه. المنطقة أصبحت خطرة، والناس أصبحوا يخافون ارتياد المنتجع بسبب هجمات المستوطنين"، متسائلًا: "من سيأتي للنوم أو السباحة أو سيحضر أطفاله للعب في منطقة خطرة، ومعرضة لهجمات المستوطنين في أية لحظة؟".
ونتيجة للخسائر التي لحقت بعودة جرّاء اعتداءات المستوطنين، اضطرَّ في النهاية إلى بيع الماكينات والألعاب التي استثمر بها ملايين الشواقل كحديدٍ لسيّارات الخُردة، كما باع بيته المحروق أيضًا لسداد الديون المتراكمة عليه.
حال عودة كحال مئات المستثمرين والتجار في بلدة حوارة، الذين أغلقوا أبواب محالهم التجارية، بعد أن خسرت مشاريعهم وتراكمت عليهم الديون، أما من بقي صامدًا حتى اليوم فهو من القلة المحظوظين الذين استأجروا محلاتهم التجارية في القِدَم بأسعارٍ زهيدة.
أبو يوسف واحد من هؤلاء التجار الذين ظلوا صامدين حتى اليوم، فلا مكان آخر يذهب إليه في ظل ارتفاع أسعار أجور المحلات التجارية في مدينة نابلس.
يقول: "استأجرتُ محلّي عام 2009م. أبيع المفارش الزراعية والشوادر وغيرها، الإيجار الذي أدفعه بسيط مقارنة مع أصحاب المحلات التي أغلقت أبوابها، التي تدفع آلاف الدنانير شهريًا".
ويتابع: "القطاع الاقتصادي في حوارة دُمِّر بشكل كبير، افتتاح الشارع الالتفافي الاستيطاني حوّل طريق حوارة القديم إلى شارع غير رئيس، ولم يعد المواطنون يمرون منه كما في السابق، بالتالي لم يعد ذا ثقل اقتصادي كما كان، بالإضافة إلى أن غالبية التجار من خارج حوارة، ويضطرون للوقوف ساعات طويلة على الحواجز، وبالتالي يضيع نصف النهار قبل الوصول إلى منشآتهم. هذا أيضا دفعهم إلى خطوة الإغلاق.
وحول سؤالنا عما إذا تلقّى أي مساعدات مالية، أكد أبو يوسف أن الخصم الوحيد الذي تلقّاه هو خصم 3 شهور "رسوم نفايات" من بلدية حوارة، ومجموعها 90 شيقل، في المقابل أوضح أن الدخل الشهري لمحله انخفض نتيجة العوامل السابقة بنسبة 80%.
اتفق معه أيمن عامودي، وهو صاحب محل بناشر سيارات، بأن الحرب واعتداءات المستوطنين أثرت عليهم بشكل كبير، في المقابل لم تنظر لهم أي جهة رسمية ولم تقدم لهم أي دعم طوال الثلاث سنوات الماضية التي انقلب فيها الوضع في حوارة.
وأكد العامودي أن المحلات التجارية التي أغلقت أبوابها هي المحلات مرتفعة الإيجار، التي لم تعد قادرة على دفعه في ظل الظروف الحالية.
وطالب العامودي المواطنين والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالوقوف مع أهالي حوارة وتجارها الذين يدفعون ثمن اعتداءات المستوطنين من أرزاق عائلاتهم.
رئيس بلدية حوارة جهاد عودة، أكدت في مقابلة مع "نوى" أن نحو 50% من المحلات التجارية في حوارة أغلقت أبوابها بشكل نهائي، فبعد أن وصل عدد المنشآت التجارية نحو 500 منشأة في البلدة، لم يعد يتجاوز 250 منشأة حاليًا.
وأوضح أن الظروف الحالية القائمة وعلى رأسها الحرب على غزة، وكذلك هجمات المستوطنين المستمرة على حوارة أثّرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، وخلقت حالة من الخوف لدى الزوار الذين كانوا يرتادون بشكل دائم البلدة، ولعبوا دورًا في ازدهار اقتصادها لسنوات.
وبيّن أنه حتى ذلك الموقع الاستراتيجي المميز الذي تمتعت به حوارة واستفادة منه التجار تاريخيًا في المنطقة، لم يعد ميزة بعد افتتاح الشارع الالتفافي الاستيطاني إبان الحرب على غزة.
وأكد عودة أن الخسائر لا تقتصر فقط على التجار، فحتى المواطنين الذين يحاولون قطف ثمار الزيتون في الأيام الجارية يتم الاعتداء عليهم وسرقة زيتونهم ومعداتهم من قبل المستوطنين.
وحول التدخلات التي نفذتها البلدية لدعم التجار أوضح عودة أنهم قاموا بإعفاء أصحاب المحلات من رسوم النفايات لمدة 3 شهور، بالإضافة إلى مطالبة رئيس الوزراء بإعفاء تجار حوارة من ضريبة الدخل لمدة سنتين كنوع من الدعم لهم.
"تقدمنا بكتاب رسمي لوزارة المالية، وشرحنا فيه وضع تجار حوارة، وطلبنا إعفائهم كنوع من تعزيز الصمود، لكن قوبل الطلب بالرفض".
يقول: "تقدمنا بكتاب رسمي لوزارة المالية، وشرحنا فيه وضع تجار حوارة، وطلبنا إعفائهم كنوع من تعزيز الصمود، لكن قوبل الطلب بالرفض".
وأكد عودة أنه من غير الممكن فهم مدى تأثير الشارع الالتفافي على الوضع الاقتصادي في البلدة دون انتهاء الحرب على غزة، حيث أن الحرب هي العامل الأساسي الذي دمر الاقتصاد الفلسطيني، وخلقَ حالةً من الركود في كل المدن والبلدات، وليس في حوارة وحدها.
وناشد رئيس البلدية كل المواطنين المتوجهين إلى الشمال، المرور من حوارة وتعزيز صمود مواطنيها وتجارها "فهم يمرّون بظروفٍ صعبةٍ جدًا، وبقاؤهم في محلاتهم وأراضيهم مهم جدًا من أجل مواجهة خطر الاستيطان في المنطقة".