مأتم لزيتونات "غزة".. لا "اللمة" بقِيَت ولا "الأغنية"!
تاريخ النشر : 2024-10-06 14:23

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تتعالى ريهان شراب على أحزانها ومخاوفها من حربٍ أفقدتها عددًا -لم تحصه بعد- من أقاربها وأحبتها وجيرانها، وتتوشح بالكوفية الفلسطينية؛ لتشارك أسرتها الصغيرة في قطف ثمار الزيتون من أرضهم الزراعية في منطقة "معن" شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة.

"موسم الزيتون ليس له طعم بدون لمة الأحباب" تقول ريهان، التي تنحدر من أسرة معروفة تمتلك مساحات من الأراضي، وتتوارث مهنة الزراعة جيلًا من بعد جيل، غير أنها تعيش للعام الثاني على التوالي موسم زيتون حزين، يغيب عنه عدد كبير من أبناء عائلتها وأصدقائها وجيرانها، بفعل الحرب الإسرائيلية الضارية على القطاع.

لا تفتقد ريهان الأحبة وحسب، وتقول: "الطقوس والعادات الجميلة المرتبطة بموسم الزيتون "اغتالتها" الحرب وذهبت مع من ذهب وارتحل من شهداء وجرحى ونازحين"، وتشير إلى الكوفية التي تتوشح بها وتضيف: "لم يتبق من كل الطقوس سوى الإرادة وهذه الكوفية".

"في مثل هذه الأوقات من كل عام كنا نقضي أيامنا من الصباح الباكر وحتى ساعات المساء بين أشجار الزيتون، نتشارك الغناء والضحكات، فأين من كانوا يشاركونا هذه الأفراح؟"، تتساءل ريهان ولا تنتظر إجابة أحد، فهي تعيش هذا الواقع المرير منذ نحو عام، وتعلق بالقول: "الحرب دمرتنا وفرقت شملنا".

ولشجرة الزيتون قيمة كبيرة لدى الفلسطينيين، الذين ينظرون إليها كرمز لتجذرهم بهذه الأرض وارتباطهم بها، ويستقبلون محصولها سنويًا باحتفالات تعلو فيها الأهازيج والأغاني التراثية على وقع الدبكة الشعبية، فيما النساء ينشغلن بإعداد وجبة الإفطار التقليدية من زيت الزيتون والزعتر والشاي، ومن ثم يذهبن للمشاركة في القطاف، قبل تحضير "المقلوبة" على نار الحطب كوجبة غداء.

بفعل الحرب، تبدّلت أفراح المزارعين خوفًا على مدار اللحظة، وهم يعملون في أراضيهم الزراعية المتاخمة أو القريبة من السياج الحدودي شرقي القطاع.

وبفعل هذه الحرب التي تتم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عامًا كاملًا، تبدلت أفراح المزارعين لخوف شديد وقلق على مدار اللحظة وهم يعملون في أراضيهم الزراعية، وغالبيتها متاخمة أو قريبة من السياج الحدودي الإسرائيلي على امتداد الحدود الشرقية للقطاع، ولتجنب فشل الموسم للعام الثاني وخسارة ثمار الزيتون قررت أسرة ريهان التبكير في قطفها.

ويبدأ موسم قطف الزيتون في فلسطين سنويًا مطلع أكتوبر، ويمتد إلى ما بعد منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، غير أن مزارعين كثر من أمثال ريهان وأسرتها فضلوا التبكير في قطفه بالثلث الأخير من سبتمبر/أيلول الماضي.

وتشكو ريهان من أن الموسم الحالي للزيتون ليس وفيرًا، والثمار صغيرة وليست كما كانت عليه في أعوام سابقة، عازيةً السبب إلى تعذر وصول المزارعين إلى أراضيهم الزراعية والاهتمام بها بسبب مخاوف الحرب ومخاطرها.

وبرأيها فإن الموسم الحالي "سيء جدًا"، من حيث جودة الثمار وكميتها، وتخبرنا أن كثيرين من أقاربها والمعارف والجيران، إما خسروا أشجارهم التي جرفتها ودمرتها آليات الاحتلال وغاراته، أو أنهم أهملوها بسبب الخوف وعدم توفر المواد والمعدات الزراعية والمياه، فكان إنتاجها سيئًا وضعيفًا.

لا تتوقف معاناة المزارعين عند مخاطر الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، بل تعترضهم أزمة أخرى مرتبطة بخروج غالبية المعاصر عن الخدمة.

ولا تتوقف معاناة المزارعين عند مخاطر الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، بل تعترضهم أزمة أخرى مرتبطة بخروج غالبية المعاصر عن الخدمة سواء بسبب الاستهداف المباشر أو لقلة الإنتاج وارتفاع تكاليفه، وعدم توفر الكهرباء للتشغيل.

وفي معصرة بمدينة خان يونس بدت خالية سوى من بضع مزارعين، وقفت المزارعة نهى قديح تنتظر دورها لعصر كمية من ثمار الزيتون، وتقول لـ "نوى": "في مثل هذا الوقت من مواسم سابقة لم يكن في هذه المعصرة متسع لقدم، والازدحام يكون شديدًا بانتظار عصر ثمار الزيتون. كنا نضطر للانتظار 3 أو 4 أيام"، مفسرةً واقع الحال بضعف الموسم نتيجة التدمير والتجريف، إضافة إلى عدم وفرة الثمار، وجفاف الأشجار نتيجة عدم توفر المياه.

وتشكو المزارعة من ارتفاع كلفة الوصول للمعصرة وإنتاج زيت الزيتون، وقد دفعت أجرة 50 شيكلًا للوصول إلى المعصرة التي تبعد عنها مسافة قريبة، وأحضرت معها 80 كيلو من الثمار يكلفها عصر الكيلو الواحد شيكلًا ونصف الشيكل.

وبحسب قديح فإن الكثير من المزارعين صدمتهم ما آلت إليه أراضيهم وأشجارهم، ولم يقطفوا ما تبقى من ثمار على أشجار قليلة لا تزال قائمة ولم يطَلها التجريف والتدمير، وذلك إما لخطورة العمل في الأراضي القريبة من السياج الأمني، أو لعدم جدوى القطف لتدني جودة الثمار وضعف الإنتاج.

وبحسب وزارة الزراعة في غزة فإن 50 ألف دونم كانت مزروعة بمليوني شجرة زيتون قبيل الحرب، لم يتبق منها سوى مساحة صغيرة جراء تدمير الاحتلال (40500) دونم بأشجارها المثمرة.

وتشير بيانات حديثة أصدرتها وزارة الزراعة، إلى أن هذه المساحة كانت تمثل 50% من مساحة البستنة الشجرية على مستوى القطاع، وتنتج 15 ألف طن من الزيتون للتخليل، و35 ألف طن للعصر لإنتاج 5 آلاف طن من زيت الزيتون، وبفعل الحرب هناك عجز 2500 طن من زيتون التخليل، و4 آلاف طن من زيت الزيتون.

وألقت الحرب بآثارها الثقيلة على معاصر الزيتون، ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة لم يتبق من بين 40 معصرة كانت تعمل في القطاع قبل الحرب سوى 6 معاصر فقط، معصرة وحيدة في شمالي القطاع، و4 معاصر بالمحافظة الوسطى، وواحدة في خان يونس.