غزة.. طبٌ عربي في "خيمة"!
تاريخ النشر : 2024-09-04 13:23

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تمسك سارة شيخ العيد بيد الطفل فادي وتتفحصها، ثم تبدأ بتدليكها بزيت الزيتون، وبخبرةٍ اكتسبتها على مر السنين تقول: "الولد خائف"، ثم تطمئن أهله: "بسيطة.. كل الأطفال أصابتهم خوفة بسبب الحرب".

هذا الطفل -بحسب سارة- هو حالة من بين حالات كثيرة تعاني مما يُطلق عليه شعبيًا اسم "الخوفة" أو "خلعة بالظفيرة العصبية"، التي تسبب سخونة شديدة وفزعًا أثناء النوم، "وهي أحد الأعراض المرضية الناجمة عن الحرب، ولا تفرق بين الجنسين، ولكنها تصيب غالبًا الأطفال والنساء أكثر من غيرهم" تقول.

تعرّف سارة نفسها بأنها "معالجة بالطب العربي والحجامة النبوية"، وهي حاصلة على شهادة بالتربية الإسلامية، وقد اكتسبت خبرة واسعة في هذا المجال من خلال عملها لسنوات طويلة في "مركز البركة للطب الشعبي والحجامة والتدليك" ومقره بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وعلى إثر الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة رفح الواقعة على الحدود الفلسطينية المصرية في السادس من مايو/أيار الماضي، تعرض مركز "البركة" للتدمير الكلي، فقد عاثَت قوات الاحتلال فسادًا وتدميرًا بهذه المدينة الصغيرة.

وتشير تقديرات جهاز الدفاع المدني إلى أن الدمار حلّ بزهاء 80% من المنازل والمنشآت والمباني والبنية التحتية بالمدينة.

وعلى وقع هذا الاجتياح اضطرت سارة وأسرتها إلى النزوح نحو مدينة خان يونس المجاورة، حيث تقيم في خيمة داخل أسوار جامعة الأقصى بمنطقة المواصي غربي المدينة.

الخيمة تشهد يوميًا توافد حالات كثيرة من الرجال والنساء والأطفال، "وكلهم يعانون أعراضًا مرضية مرتبطة بالحرب وآثارها".

تخبرنا: "بحث الناس المتكرر عنا، وسؤالهم إذا ما عدنا لاستئناف عملنا بالمركز أم لا، شجّعنا على افتتاح هذه الخيمة بنفس اسم مركز البركة"، مشيرةً إلى أن الخيمة تشهد يوميًا توافد حالات كثيرة من الرجال والنساء والأطفال، "وكلهم يعانون أعراضًا مرضية مرتبطة بالحرب وآثارها".

ومثل الطفل فادي هناك أطفال ونساء كثر "يعانون الأمرّين" بحسب وصف سارة، ويلجؤون لـ "خيمة البركة" بحثًا عما يسكّنُ آلامهم ومعاناتهم التي تصيبهم غالبًا إما بسبب الخوف الشديد نتيجة الغارات الجوية والقصف أو التعرض لمشهدٍ قاسٍ، أو نتيجة الأعباء غير المعتادة التي فرضتها الحرب، ولا تقوى عليها أجساد الأطفال والنساء، كتوفير المياه في أماكن النزوح، وإعداد الخُبز والطعام على النار في ظل أزمةٍ حادّة في غاز الطهي.

وعما تعانيه النساء جراء الحرب وما فرضته من أعباء على المرأة في غزة، تقول المعالجة "إيمان" شيخ العيد: "غالبيتهن يعانين من القولون العصبي وفقدان الشهية والأرق وآلام في الأقدام والأكتاف والعامود الفقري، وذلك نتيجة الأعباء الشديدة التي فرضتها الحرب عليهن، وهي غير معتادة للنسبة الأعظم من النساء الغزيات".

وبحسب إيمان الحاصلة على شهادة جامعية بالتربية الرياضية، وتعمل في مجال الطب العربي والحجامة النبوية منذ 6 أعوام، فإن نساء كثيرات أُصبن خلال الحرب بالقولون العصبي نتيجة الصدمات العصبية وحالات الهلع والخوف الشديد، والضغوط الهائلة التي تسببت بها الحرب. "فالمرأة هي أبرز الضحايا، فهي إما شهيدة أو مكلومة بفقد الزوج والأبناء والأحبة، وفي كل الحالات هي التي تتحمل عبء النزوح الأكبر داخل خيمة تفتقر للخصوصية ولكل مقومات الحياة، وخاصة احتياجاتها كامرأة".

ومن بين أكثر من 40 ألف شهيد خلال حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة وتوشك على إتمام عامها الأول، يمثل الأطفال والنساء نحو 70% من إجمالي أعداد الشهداء، وفقًا لتوثيق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

ولتلبية احتياجات الجميع من العلاج، ينقسم العمل في "خيمة البركة" إلى فترتين، واحدة صباحية وهي مخصصة للنساء، وأخرى مسائية مخصصة للرجال.

ومع اللحظات الأولى لبدء عمل الفترة المسائية، حضر للخيمة شاب عشريني يعاني من آلام شديدة في العضلات والمفاصل وشعور عام بالضعف والهزال والكسل.

تحدثت إليه "نوى" فعرفت أن اسمه صلاح المصري، وقال بكلمات قليلة لخصت واقع الحال: "الحرب هدّت حيلنا".

هذا الشاب -المتزوج حديثًا منذ شهرين- نازحٌ مع أسرته من بلدة بيت حانون شمالي القطاع، منذ الساعات الأولى للحرب، وتنقّلوا في محطات نزوح كثيرة كانت آخرها مدينة رفح قبل مغادرتها على وقع العملية البرية نحو مواصي مدينة خان يونس.

"ما نتعرض له بسبب الحرب لا يتخيله عقل"، يقول صلاح لـ "نوى"، ويؤمن أن ما يعاني منه ناجم عن النزوح المتكرر والحياة القاسية في الخيام، والأعباء اليومية في توفير المياه.

وخضع صلاح لعلاج من ثلاث جلسات من أجل "استعادة عافيته"، بحسب تشخيص المعالج محمد الدسوقي، الذي أخبرنا بأن ما يعاني منه صلاح وغالبية الحالات من أمثاله، هي بسبب تداعيات الحرب.