صحافيتان معتقلتان.. وضحيّتان: مريضٌ ورضيعة!
تاريخ النشر : 2024-07-23 14:54

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

على باب بيته في البلدة القديمة لمدينة نابلس، يجلس نضال الشقيق الأصغر للزميلة الصحفية رشا حرز الله (39 عامًا)، المصاب بمتلازمة داون.

ينتظر نضال عودة رشا التي ذهبت صبيحة الثاني من يونيو/حزيران الماضي، لمقابلة مخابرات الاحتلال بعد استدعائها ولم تعد، فقد اعتُقلت ونُقلت من النقطة العسكرية في بلدة حوارة جنوبي نابلس، إلى سجن الدامون، الذي أصبح مقبرة الأحلام والحياة، لأكثر من 80 أسيرة، يقبعن خلف قضبانه، بعيدًا عن عائلاتهن وبيوتهن وأطفالهن.

نضال الذي لم تكن رشا شقيقته فحسب، بل صديقته ورفيقته في البيت وخارجه، يعيش في غيابها أيامًا صعبةً جدًا، ويعاني وضعًا نفسيًا يسوء كل يومٍ أكثر، وكيف لا يكون والغياب قاسٍ؟

أسامة، الشقيق الأكبر لرشا، تنهّد طويلًا لدى سؤاله عن وضعها هناك، وقال: "ولا بنعرف عنها اي اشي"، فقط تاريخ المحكمة القادمة في الحادي عشر من أغسطس/آب المقبل، ولا شيء آخر، مشيرًا إلى انقطاعٍ تام للاتصال بين الأسرى وعائلاتهم، كأحد وسائل التعذيب التي يتبعها الاحتلال في ظل الحرب على غزة.

رشا التي كانت تحاول لملمة جراح والدها (68 عامًا)، ووالدتها (62 عامًا) بعد استشهاد فلذة كبدهم محمد قبل نحو عام ونصف من اليوم، أضاف غيابها جرحًا على ذلك الذي لم يندمل بعد. شقيقها أسامة الذي ثقل لسانه في الحديث عنها، وكأن الدموع تحاصره، اختصر الأمر بقوله: "مستفقدينها جدًا، وفي فراغ كبير بغيابها".

بعد إعلان الحرب على غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، استهدف الاحتلال كل من يكتب خبرًا من الصحافيين والصحافيات، في محاولةٍ لإخماد صوت الحقيقة، وطمس معالم أي مجزرةٍ يرتكبها في غزة. رولا إبراهيم حسنين، هي الأخرى كانت في دائرة الاستهداف، إذ اعتُقلت من بيتها وانتُزعت من حضن طفلتها الرضيعة "إيلياء"، التي تدفع ثمن اعتقال والدتها من صحتها النفسية والجسدية، منذ أربعة شهور.

ورغم صدور قرار الإفراج عنها ثلاث مرات حتى الآن، تستأنف محكمة الاحتلال في كل مرة القرار، لتبقي رولا رهن الاعتقال، والتهمة: "التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي".

رولا صحافية تشارك الأخبار التي تكتبها على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، وهو حق كفلته كل المواثيق والأعراف الدولية للصحافيين والصحافيات في كل أنحاء العالم، "فهل استُثني الفلسطينيون وحدهم من هذه المواثيق؟" تتساءل شقيقتها هديل حسنين، قائلةً: "لدى اعتقالها، حاولت رولا اصطحاب طفلتها معها، لكن جنود الاحتلال رفضوا ذلك قطعًا".

منذ ذلك الوقت -تبعًا لرولا- بدأت إيلياء تواجه عالمًا جديدًا قاسيًا بعد أن فُطمت عن الرضاعة من والدتها قسرًا، ما أدى إلى إصابتها بالجفاف لاحقًا نتيجة عدم تقبّلها الحليب الصناعي، "وهذا اضطر والدها إلى تنويمها في المشفى، وتغذيتها عبر الوريد".

تتابع: "إلى جانب ذلك، فإن إيلياء التي ولدت ولادة مبكرة وبقيت في الحضانة 40 يومًا، لا تزال تواجه مشكلات صعبة في جهازها التنفسي، ولديها نقص شديد في المناعة، وبحاجة إلى وجود والدتها بجانبها، فلا شيء ولا أحد يعوض طفلًا رضيعًا عن حنان والدته".

رولا: أنا مش قادرة اتذكر ملامح إيلياء

ورغم أن معاناة الرضيعة إيلياء تبدو الأكثر ألمًا في هذه الحكاية، إلا أن رسالة رولا عبر محاميها لعائلتها كانت كالصاعقة: "أنا مش قادرة أتذكر ملامح إيلياء"، مشيرةً إلى حالتها النفسية والجسدية السيئة  للغاية.

وتطالب هديل عبر "نوى" بالإفراج عن شقيقتها، منبهةً إلى أن رولا أيضًا تعاني مرضى الكلى المزمن، وهي بحاجة إلى رعاية طبية، وحالتها الصحية تسوء مع مرور الأيام داخل السجن.

جنان عبدو المحامية الناشطة في قضايا الأسرى، قالت بتأثر: "الأسيرات معزولات عن العالم حرفيًا"، ملفتةً إلى جملةٍ من الانتهاكات التي يتعرضن لها داخل السجون، خاصة بعد الحرب على غزة.

وبينت عبدو أن مصلحة السجون تنفذ سياسةً قاسيةً جدًا في التعامل مع الأسرى والأسيرات، تصل إلى حدٍ يمكن تسميته قانونيًا بـ"التعذيب"، موضحةً أن أولى هذه الانتهاكات بدأت مع السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، حيث سُحبت كل الأدوات والأجهزة التي تعين على الحياة الصعبة داخل السجون الإسرائيلية. الراديو، والتلفاز، والمدفأة، والمراوح، وكل ما كان متوفرًا ويسميه الاحتلال "تسهيلات".

وأضافت: "إدارة السجون ألغت الكانتينا كذلك، وألغت زيارات الأهالي عبر الصليب الاحمر، وهذه سياسة مطبقة على جميع السجون، وليس فقط على سجون الأسيرات"، موضحةً أن الاحتلال فتح السجون فقط أمام المحامين والمحاميات، في ظل تشديدات ورقابة كبيرة جدًا، وشروط من ضمنها، الحصول على أوراق مسبقة، وتقليل مدة الزيارة، وغير ذلك.

وحُرمت الأسيرات -وفقًا لعبدو- من الخروج إلى الساحة أو ما يعرف بالفورة، بعد السابع من أكتوبر، وهو ما ساهم في زيادة التضييق عليهن وتدهور أوضاعهن النفسية والصحية، مستدركةً: "مؤخرًا، سُمح للأسيرات بالخروج لساعة واحدة فقط، في ظل ارتفاعٍ كبيرٍ بدرجات الحرارة".

ولفتت عبدو أن الأسيرات في سجن الدامون -وهو سجن قديم جدًا وبنيته متهالكة- يعانين الاختناق وانعدام التهوية داخل الغرف، في ظل عدم وجود مراوح هواء، واكتظاظ الغرف، وهو ما جعلهن يشتكين من وضعٍ صعبٍ جدًا.

إلى جانب ذلك كله، أكدت عبدو أن سياسة الاعتقال الإداري تصاعدت كثيرًا في الفترة الاخيرة، وخاصةً بين الأسيرات، اللواتي من بينهن طالبات وناشطات حقوقيات وسياسيات وصحفيات.

وأشارت عبدو إلى سياسة الإهمال الطبي بحق الأسيرات، وتضاعف معاناتهن بسببها منذ تاريخ الحرب على غزة، "فحبة الأكامول تُعطَى لكل أنواع الأمراض وكل الأوجاع التي تعاني منها الأسيرات على اختلاف أنواعها" تضيف.

أسيرات غزة.. عزل داخل عزل

وعن أسيرات غزة، أوضحت عبدو أن مصلحة السجون لا تنشر أي أرقام دقيقة بخصوصهن، منبهةً إلى أن العدد يتغير بين أسبوعٍ وآخر.

وقالت: "في بداية الاعتقال وُضعت أسيرات غزة في زنازين منفردة، ومنذ فترة بسيطة عادت مصلحة السجون لدمجهن مع بقية الأسيرات، نتيجة زيادة العدد بشكل كبير".

وفي الوقت الذي تعزل فيه إدارة السجون الأسيرات عمومًا عن العالم، فإن الأسيرات من غزة يعانين من عزلةٍ أكبر، حيث لم ينجح أي محامٍ أو محامية حتى اللحظة بزيارة أي أسيرة من غزة، "فالاحتلال يفرض تعقيدات كبيرة جدًا على زيارتهن، ويمنع أي جهة من تنفيذ زيارات لهن إلى الآن".

وفي الوضع الطبيعي، يقدم المحامي أو المحامية اسم الأسيرة ورقم هويتها إلى إدارة السجون من أجل طلب الزيارة، وأثناء الزيارة توقع الأسيرة على توكيل المحامي أو المحامية بشكل رسمي، "لكن بالنسبة للأسيرات من غزة فالأمر مختلف، حيث اشترطت إدارة السجون وجود توكيل رسمي من قريب من الدرجة الأولى للأسيرة، وبرغم أنها قد تبدو تفصيلة صغيرة، إلا أنها في ظل ظروف غزة تعدُّ معقدةً جدًا، لا سيما عند الاشتراط بأن يكون هذا القريب على قيد الحياة" تستدرك عبدو.

بالإضافة إلى ذلك فإن انعدام توفر شبكات الاتصال بالإنترنت، واستحالة توفرها في بعض المناطق التي تعرضت للتدمير الكامل أثناء الحرب، وصعوبة التنقل من مكان إلى آخر، يجعل من تحقيق هذا الشرط مستحيلًا، ويبقي أسيرات القطاع معزولات عن العالم بأسره.

وتحكي عبدو عن سياسة التجويع التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسيرات الفلسطينيات، مبينةً أنها منذ بدء الحرب، قررت للأسيرات كميات طعام قليلة جدًا وسيئة الجودة، ولا تحتوي على العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم، قائلةً: "إحدى الإشكاليات الأساسية هي انعدام النظافة.

فرشاة شعر واحدة لكل الاسيرات

وفي سياق حديثها عن انعدام مقومات حياة صحيّة داخل سجن الدامون، بيّنت عبدو أن هناك فرشاة شعر واحدة لكل الأسيرات، حسبما أبلغتها بعضهن أثناء الزيارة، "وهذا بحد ذاته مقوم لنقل الأمراض".

ونقلت عبدو رسائل الأسيرات الفلسطينيات إلى المحامين بتكثيف الزيارات إلى السجون، مشيرةً إلى أن هذا يعد واجبًا وطنيًا وانسانيًا ومهنيًا في ظل العزلة التي يعانين منها، مشيرةً إلى أن للمحامي زيارتين في اليوم كحد أقصى، وعدد المحامين الذين يقومون بالزيارات قليل جدًا، "حيث يجب أن يكون من محامي الداخل، ومسجلًا في نقابة المحامين الإسرائيليين حتى يستطيع أو تستطيع تنفيذ الزيارة".

وأضافت: ""الإشكالية التي نعاني منها كمحامين هي وجود عدد هائل من الأسرى داخل السجون. العدد وصل إلى 10 آلاف، بينهم 2300 أسير وأسيرة من غزة، وهذا حتى الأسبوع الماضي"، مبينةً أن الأرقام تتغير من يومٍ إلى آخر.

"هناك الكثير من العائلات بغزة تقول إن أولادها اعتُقلوا، فيما لا تعترف إدارة السجون بوجودهم ضمن المعتقلين".

وزادت: "بخصوص أسرى غزة، فإن هناك الكثير من العائلات التي تقول إن أولادها اعتُقلوا، فيما لا تعترف إدارة السجون بوجودهم ضمن المعتقلين"، مردفةً بالقول: "بالتالي قدرتنا كمؤسسات وأفراد لا ترقى لمستوى الحدث، وهنا أنا أوجه نداءً لهيئة الأسرى والسلطات المسؤولة عنهم، لتكثيف الزيارات قدر المستطاع، كي لا يبقوا وحدهم في ظل عِظَم هذه المعاناة".

 وأكدت عبدو أن أحد أهم الانتهاكات التي تمارسها ادارة السجون منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، هي تحويل حضور المعتقلات والمعتقلين جلسات محاكماتهم عبر الفيديو كونفرنس، مبررين ذلك بالضغط لديهم، "أي أنهم أعطوا الحق لأنفسهم بأن يحضر المعتقل محاكمته عبر الفيديو كونفرنس، وهذا بحد ذاته انتهاك"، فقد كانت بعض العائلات في السابق ترى أبناءها وبناتها أثناء جلسات المحاكمة، وكان المحامي يستطيع أن يخبر العائلة معلومات واضحة عن الوضع الصحي، ويميّز ما إذا كان الأسير أو الأسيرة تعرض/ـت للضرب أو التعذيب، لكن اليوم لم يعد ذلك ممكنًا.