رام الله:
فتىً فلسطينيٌ سُجّل في عداد شهداء البلاد التي لا حدّ للموت فيها ولا شبع. قُصي معطان (19 عامًا) مضى بعيدًا عن حضن أمه وتركها وحيدةً تبكي ضحكته والذكريات، في أرضٍ تسير عجلة القتل فيها سريعةً جدًا، وفق مزاج "إسرائيل"، بطلة القتل الأولى.
لا تكتفي دولة المحتل بذلك، بل يحدث أن يحتفي المستوطنون أيضًا بقاتلٍ برّأته المحكمة الإسرائيلية وبرّرت له قتل قصي. ذلك الفتى الوسيم الذي كان يُعدّ طعام العشاء لأصدقائه في قرية برقة، الواقعة شرقي رام الله.
لم تكتمل جلسة السمر ولم يجهز طعام العشاء! هجم أكثر من 200 مستوطن مسلح من البؤر الاستيطانية المحيطة على المنطقة، وبدأ إطلاق النار متزامنًا مع صرخات الناس. فُزع الشباب من أماكنهم وراحوا يحمون قريتهم. خلال هذا كان أحد المستوطنين يصوّب نيرانه تجاههم فاخترقت رصاصة عنق قصي وقتلته.
"قتلوه وأكملوا خرابهم"، يقول معتز عواد أحد أبناء القرية، ويشير إلى الكثير من الأراضي الزراعية التي أحرقوها بالإضافة إلى مركبتين، كل ذلك بحمايةٍ من جنودٍ مدججين بالأسلحة. جرحوا بعض الشبان، وأمعنوا في تدمير كل ما يمرّ بطريقهم.
ويضيف: "لم نستوعب حتى الآن استشهاد قصي، لا نترك منزل عائلته. لا تغيب عن بالي ملامح أطفالي الذين ارتعبوا من الهجوم على القرية، إنهم الآن لا يقبلون الخروج من باب المنزل خوفًا من هجومٍ جديد".
لفّ الناس جثمان الشهيد بالورد قبل أن يزفوه على الأكتاف ويهتفوا له، أخذوه لمنزل أهله بينما كانت أمه ترقب الناس من حولها، وتفكر بسهرةٍ كان ابنها متحمّسًا لها مع أصدقائه. أخبرها أنه سيطهو لهم، وأرشدته لوصفةٍ تبدو شهيّة، ثم دعمته في بعض المكونات وأخبرته أنها تنتظر عودته.
ووفق روايات شهودٍ عيان، فإن المستوطن المتطرّف الذي قتل الشهيد قصي جمال معطان هو "اليشع ييرد" الذي احتل تلّة في الأراضي الشرقية للقرية وأنشأ عليها مستوطنة "مجرون"، وينفذ اعتداءات متواصلة بحق الرعاة من أهالي "برقة"، بل يمنعهم كذلك من الوصول للكثير من أراضيهم، وينفّذ أعمال تصوير جوي لأراضي البلدة، ويبلغ "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال بأي أعمال بناء جديدة؛ لإيقافها.
وادّعت الإذاعة العبرية أن المستوطن المتطرف أطلق النار على أهالي القرية بعد أن تعرّضت حياته للخطر، وهو ذات التبرير الذي روَّج له إعلام الاحتلال قبل الإفراج عن قاتل الشهيد علي حرب، الذي طعنه مستوطن على أراضي سكاكا/ سلفيت قبل نحو عام.
وأفرجت المحكمة الإسرائيلية عن القاتل وسط احتفاء من المستوطنين، في فرصةٍ جديدةٍ لتعزيز قتل الفلسطينيين، فمسلسل العنف وسيل الدماء الذي يتسببون فيه طويل، مرّ بحرق الطفل محمد أبو خضير حيًا بعد اختطافه في القدس عام 2014، كذلك حرق عائلة دوابشة وهم نائمين في منزلهم بقرية دوما في نابلس قبل ثمانية أعوام.