قطاع غزة:
"أحسب الوقت بالدقيقة" تقول سمية نوفل، وهي ترقب أضواء البيت بانتظار أن تشتعل. وبينما تمسك بصينية بلاستيكية وتحركها فوق رأس طفلها النائم، تنظر بحسرةٍ إلى أكوام الغسيل المكدّسة في زاوية البيت في انتظار ساعة وصل الكهرباء تمام العاشرة.
بين كل مترٍ وآخر في غرفة أبنائها طفل يفترش البلاط لعله يحظى ببعض البرودة، وبينما هي يقتلها النعاس، تضطر للبقاء مستيقظة لتنجز أعمالها المختلفة. تعقب: "جدول الكهرباء بات يتحكم بأعمارنا كلها، لا بجدول أيامنا فقط".
ما تحدثت به "سمية"، "همٌ" يعاني منه معظم سكان قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا، انقطاعٌ للكهرباء يتزامن مع انقطاع المياه! تلتهب المنازل بالحرارة، وتنطفئ الأنوار، والمراوح، والثلاجات، والغسالات، وتنطفئ معها الأرواح "التي يخنقها الحر" على حد تعبير السيدة الثلاثينية.
تقول: "بانقطاع الكهرباء تأتينا المياه، فلا أستطيع رفعها إلى الخزانات. تنفذ من عندي فيصبح لا مجال للاستحمام، وتبدأ المشاكل مع الأولاد. أريد توفيرها لأجل غسل الأطباق، وتنظيف البيت. تُفتح أبواب الثلاجة فيسمع الجيران صوت صراخي، أريد الحفاظ على برودتها من أجل الخضار ولحوم الأضاحي التي ستفسد بالتأكيد".
وعن تشغيل المراوح على خط "المولد" داخل البيت، فهذا لا يحدث إلا ساعة أو ساعتين خلال النهار من أجل ضمان معقولية الفاتورة، "وهنا تندلع معارك أخرى" تزيد.
هذه المأساة تتفاقم سنويًا في الصيف، في أول ساعات الوصل تضيع السيدات بين المهام لا تعرف بأيها تبدأ، ولا متى أو كيف تنتهي! جدول الكهرباء يتقلّص من 8 إلى أربع أو ست. "وهنا أصرخ من القهر، وأتساءل: ما هذا العيش الذي نحيا فيه؟ ما هذا الموت الذي نعيشه يوميًا؟ الرطوبة أضرمت نيرانها بأجسادنا، وبجيوبنا أيضًا، وأرهقت كل محاولات التعايش مع الأزمة" تعقب.
ولمحمد أبو العطا قصّة أخرى، إذ يعاني من حساسيةٍ مفرطة. تنتشر حبوب حمراء بجسده، ويصيب الجفاف عينيه حتى مع قطرات الدواء. يقول: "لا أعرف طعمًا للنوم في ليلة انقطاع الكهرباء، ولا أعيش الراحة! أحمل "صينيةً" من البلاستيك وأحاول التبريد على جسدي طوال الليل، ثم أتمدد على بلاط المنزل، ومع ذلك، كل المحاولات "فارغة" أمام ما أعانيه من الحرارة الداخلية، التي تمتد إلى عينَي".
ومن هنا يخبرنا أن الصيف بمثابة كابوس له. وموسم أمراض لا ينتهي، يلعن فيه الاحتلال والحصار والانقسام وكل متسبّب بأزمة التيار الكهربائي.
وحول الكهرباء البديلة، يتابع الشاب: "الوضع الاقتصادي لا يسمح بالاشتراك في أي مولد، فيبلغ سعر الكيلو 4 شواكل، بحدٍ أدنى 40 شيكلًا شهريًا، وهذا ما لا تستطيع عائلتي المكونة من 12 فردًا، بينهم ثلاثة أبناء بالجامعة، توفيره، فكلّهم يعيشون على مدخولَي سائق تاكسي وعامل في البناء".
أماني حميد (37 عامًا) أيضًا لها حكاية، هي مغتربة تزور غزة بعد انقطاع 10 سنوات، وتصف الصيف فيها بـ"الجحيم"، في الوقت الذي من المفترض أن يكون "شهر الاستمتاع والعطلة والبحر والفرح. هذا ما هو عليه خارج القطاع.. يبدأ "الهبو" بالتغلغل في أجسادنا من صالة المعبر".
وتضيف ساخرةً: "من كثرة التأفف كادت أمي أن تطردني، كلّما تفوهت أو ربما لشدة امتعاضي صارت لا تخجل بالقول لي قومي رَوحي تاني، ألا تتحملين وضعنا لأيام؟ ماذا نقول نحن الذين نعاني طوال العام، وليس فقط بالصيف؟!".
ولا ينفك الناس عبر مواقع التواصل عن تفجير غضبهم إثر تواصل أزمة الكهرباء، فأطلقوا حملةً لتشغيل "المولد الرابع" لزيادة ساعات وصل الكهرباء، وسط اتهاماتٍ لكافة الأطراف التي تقود ملف الكهرباء بالتقصير في إيجاد حلول سريعة.