خلطات "أونلاين" للتخسيس والتبييض.. "مولد وصاحبه غايب"!
تاريخ النشر : 2023-07-18 14:19

غزة:

"يومها كنتُ كالغريق الذي يتعلق بقشة" تقول أم محمد لـ"نوى"، وتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تبدأ بالحديث عن الوضع الصحي الصعب الذي تعيشه منذ أسبوعين، بسبب خلطة أعشاب مجهولة المكونات اشترتها عبر صفحة "فيس بوك" مؤخرًا.

الحكاية بدأت، عندما فقدت أم محمد (اسم مستعار) الأمل في فقدان الوزن الزائد جدًا، الذي اكتسبته خلال سنواتٍ مضت بسبب الحمل والولادة لعدة مرات، بعد أن جرّبت كل الطرق بدءًا من الرياضة، مرورًا بالريجيم القاسي، والأدوية التي تبيعها الصيدليات، وليس انتهاءً بمشروبات الزنجبيل والقرفة والكمون، "وكله عالفاضي" تضيف.

حوالي 50 كيلو جرامًا زيادة، كان لا بد أن تتخلص منها سريعًا لئلا تصاب بخشونةٍ في الركبة حسب ما أخبرها الطبيب، وهذا ما جعل عيونها تلمع عندما صادفت إعلانًا ممولًا نشرته إحدى الصفحات، عن خلطةٍ للتخسيس، تُشرب بعد كل وجبة، ودون حرمان أو رياضة، وتساعد في إنقاص 15 كيلو جرامًا في شهر واحد!

لم تتردد السيدة الأربعينية في التواصل مع الصفحة والسؤال عن السعر، ومكونات الخلطة، لترد المسؤولة ضاحكةً: المحتوى سر المهنة، والسعر 15 شيقلًا للعبوة.

هنا تتوقف "أم محمد" معاتبة نفسها، وتكمل: "ما بعرف كيف قبلت أشتريها! يمكن يأسي من فقدان وزني ورغبتي الشديدة بإني أخس!"، مردفةً: "أرسلت لي الفتاة مجموعة كبيرة من الصور لمحادثاتٍ مع فتيات يشكرنها كونهن فقدن الأوزان المطلوبة من خلال استخدام الخلطة، وهذا زاد ثقتي ورغبتي في الحصول عليها".

وصلت العبوة بعد ساعاتٍ قليلة إلى بيت السيدة التي لم تكذب خبرًا. بسرعةٍ وضعت ملعقةً كبيرة على كوب ماء بعدما تناولت وجبة العشاء. شربتها ونامت قبل أن تصحو في منتصف الليل على ألمٍ شديد وصفته بقولها: "كأنه سكاكين تقطع أمعائي".

كانت الفتاة أخبرت السيدة أن الأعشاب ستجعلها تطلب الحمام مرة أو مرتين في الصباح، لكن إسهالًا شديدًا أصابها على مدار اليوم كله، انتهى بالغثيان والإرهاق، وحالةٍ من الإعياء استمرت أيامًا.

تتابع: "بعد ثلاثة أيام نقلت إلى المشفى، ووضعت لي المحاليل، وبقي الإسهال ملازمًا لي لمدة أسبوعين، بشكلٍ صنفه الأطباء بالخطر".

زوج السيدة أرسل لصاحبة المنتج يسألها عن محتويات الخلطة "لأن زوجتي في حالة خطر"، فلم ترد، وأغلقت صفحتها بشكلٍ كامل واختفت تمامًا عن الوجود، حتى عبر صفحتها الشخصية التي تحمل اسمها! "ولولا لطف الله لكنت في عداد الأموات الآن" تتمتم.

ليست "أم محمد" وحدها، الضحية لإعلانات مواقع التواصل الاجتماعي التسويقية "الصحية" على وجه الخصوص، التي قد يكون بعضها موجه لكَ/كِ أنتَ/تِ تحديدًا وفقًا لتعقب خوارزميات الإنترنت، ومعرفة ما ترغب/ين بالبحث عنه أو شراءه، فهناك غيرها كُثر، وبعضهم بالفعل فقدوا حياتهم جراء ثقتهم بها، دون الاكتراث للمكوّنات، أو الجهة المصنعة، أو الترخيص.

صابونٌ للبشرة، وأعشاب، ومنتجات تخسيس، وأخرى لإخفاء السلولايت، وكريمات لشد الوجه والجسم، وخلطات تفتيح، وكبسولات لسد الشهية، وأمثلة لا يمكن حصرها! كلها تباع بشكلٍ عشوائي عبر إعلانات ممولة، تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تصل للزبائن دون مكونات، مع الاكتفاء بوجود كلمة "سرية" أو "سحرية" على المنتج.

"ماسك" يحرق البشرة

أما (أ.ك) فتعثرت عبر موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام" بإعلانٍ يروّج لـ"قناعٍ" لتفتيح البشرة عدة درجات، والتخلص من أثار الحبوب والتصبّغات بشكل نهائي، بعد استخدامه لعدة مرات فقط.

تقول السيدة التي فضلت عدم ذكر اسمها: "كأي سيدة، أهتم بجمالي وجمال بشرتي، وأشتري المنتجات المختلفة، ولكن لا أحصل على النتيجة التي أرغب بها"، مردفًا: "دائمًا ما يكون هناك تحسن طفيف ويحتاج إلى شهور من الالتزام وتكاليف عالية لا أقدر عليها، وهذا ما لفت نظري للإعلان.. النتائج التي ارغب بها بفترة وجيزة، ومقابل مبلغ مالي معقول، هذا ما أحلم به فعليًا".

تواصلت السيدة الثلاثينية مع الصفحة، وحصلت على المنتج مقابل 50 دولار أمريكي، وبدأت باستخدامه؛ لتفاجأ برائحته الكريهة، وسيولة ملمسه بحيث لم يتحول إلى "قناع" ثابت عندما وضعته على بشرتها مثل الفيديو والصور المرفقة بالإعلان، لكنها وضعته!

تضيف: "عندما أزلتُه، وجدت لون بشرتي كالدم، لقد أصابتني حساسية كبيرة، ووضعت العديد من المراهم الطبية لعل الاحمرار ينطفئ، لكن عبثًا كانت كل المحاولات".

اضطرت السيدة لقصد طبيب جلدية، أخبرها أن الطبقة الخارجية لبشرتها أصيبت بحروق عالية الدرجة وتحتاج إلى شهورٍ من العلاج. تعقب: "وبخني، وأخبرني بأنني لست الوحيدة، وقد استهجن فكرة شراء منتج لا أعرف مكوناته. مجهول المصدر، ولا أعرف حتى اسم من يبيعه أو مكانًا يحدد عنوانه رغم درجة التعليم العالية التي أحملها".

الصحة توضح

توجهت "نوى" إلى وزارة الصحة الفلسطينية، لتحصل على توضيح بشأن بعض الصفحات الإلكترونية التي تروج لمنتجات "ذات استخدام طبي" مجهولة المصادر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون الحصول على ترخيص من الوزارة، وما يترتب على ذلك من إلحاق الضرر في بعض المواطنين.

يقول الدكتور طه الشنطي، مدير وحدة الإجازة والتراخيص في الوزارة: "نحن على الدوام نقدم نصائح للجماهير بعدم تداول منتجات الأعشاب، أو أي من المنتجات الطبية التي تباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم شرائها من صفحات غير محددة العنوان أو المصدر"، مضيفًا: "من المهم، عندما يتعامل المواطن/ـــة مع صفحة أو موقع إلكتروني يبيع المنتجات الطبية أن يكون موقعه معروفًا، ومكونات المنتجات المروج لها واضحة على العبوات المباعة".

وأشار إلى أن وزارة الصحة، شددت على ضرورة تداول الأعشاب الطبية الواردة ضمن قائمة الأعشاب الطبية المسموح بها على المستوى الشعبي، والمعتمدة لدى دائرة التسجيل للإدارة العامة للصيدلة في الوزارة.

وذكر أنه يُسمح بتداول الأعشاب الطبية بشكلها الأولي فقط كـ"المرمية أو النعناع"، ولا يسمح بتداول الخلطات العشبية والأعشاب في أشكال علاجية أو صيدلانية، إلا بعد تسجيلها لدى وزارة الصحة وفحصها، مستطردًا بالقول: "أصدرنا قرارًا بمنع ترخيص أو العمل في موضوع التداوي بالأعشاب، إلا من قبل طبيب مختص بالعلاج بها، وذلك بعد الحصول على التراخيص اللازمة من وزارة الصحة ومن الجهات ذات العلاقة".

ودعا مدير وحدة الإجازة والتراخيص، المواطنين، لعدم التعامل مع المواقع غير المسجلة حسب الأصول، التي تروج للأعشاب الطبية والخلطات العشبية في أشكال صيدلانية، مستدركًا: "وهذا ينطبق على مستحضرات التجميل غير المرخصة، أو غير المعتمدة أيضًا".

وطالب كل من اشترى مواد أو مستحضرات، أو منتجات عشبية أو طبية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض لمضاعفات صحية، بتقديم شكوى رسمية لدى وحدة الشكاوى بوزارة الصحة، التي ستقوم بدورها بمتابعة الموضوع مع كافة الجهات ذات الاختصاص في الوزارة، والمباحث الطبية، كاشفًا عن أنها (الوزارة) لاحقت في الشهر الأخير بعض المواقع التي تروج للمستحضرات والأعشاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم استدعاء 15 موقعًا، وقّع أصحابها على تعهدات للالتزام بعدم التعامل مع الأعشاب والمستحضرات المصنعة يدويًا، إلا بمصادرها الرسمية والطبّية الصحيحة.