آباءٌ يدفنون في قلوبهم الخوف.. "الأطفال يراقبون"
تاريخ النشر : 2023-07-04 14:42

جنين:

تسقط شظايا الصواريخ فوق بيتك. يصابُ أحد أفراد أسرتك. يصرخ، بينما قلبك ينزف هناك وحده! لا أحد يستطيع أن يمد لك يده، فبينك وبين القلوب المرتعدة خوفًا هناك مدٌ من جنود المُحتل. لا مجال لسيارة إسعافٍ كي تمر، ولا مفر.. لا مفر من الموت في جنين إلا إليه.

هذا ليس حُلمًا، كلا، إنها مشاهد تحدث في كل لحظة داخل المخيم المحاصر.. داخل بيتك، تضطر لحفر قبر في قلبك لدفن خوفك أمام أطفالك الذين يرونك أمنهم ومأمنهم. إذا انهرت سوف لن تكون نجاة! "سيموتون جميعًا، إن لم يكن بالموت المباشر بالرصاص والصواريخ، ربّما بسكتة قلبية من شدّة الرعب" هكذا يظنون. تمامًا كما حدث مع محمد بدوية الذي يسكن في مخيّم جنين.

يقول: "أُجبرنا على مغادرة المنزل. رحلة طويلة من العذاب مررنا بها في كلّ خطوة مشيناها، والجنود يرقبوننا ويتلذذون بعذاباتنا".

ما أن وصل محمد قلب المدينة حتى انهمرت دموعه على مرأى الناس. لم يتماسك نفسه، "إجبارٌ على المغادرة بمنتهى البشاعة، لم يتركوا لنا خيارًا سوى الموت، لم أخرج سوى من أجل أطفالي" يزيد.

خرجت عشرات العائلات من أطراف المخيّم على شكل طوابير، مجبرين تحت وطأة القصف المستمر. ونحن الفلسطينيون، لنا قصّة مع أي صورة يسير فيها الناس كـ"طوابير".

تنقبض قلوبنا فور مشاهدتها، فندرك أننا أمام مصيبة جديدة. نعي تمامًا أن النكبة مستمرة ولم تنته يومًا، لكنها قامت اليوم في جنين مجددًا. عن مأساة النزوح تحت العدوان الإسرائيلي واستهداف المنازل رصدنا شهادات الناس:

أمل، أم تحمل طفلًا لا يتجاوز العام من عمره. يتشبّث بثوبها طفلان بعمر العاشرة. تقول: "شعرت بأهوال يوم القيامة، هذا الذي سمعته من أجدادي في النكبة، عشته اليوم بنكبة جديدة في صدمة ستظل تضرب قلبي العمر كلّه".

 تمسح دموعها بمنديل صلاة تُغطي فيه شعرها وجزءًا من جسدها، وتضيف: "ما عرفت كيف سترت حالي بلبس الصلاة. أمسكت بأطفالي ولم أعرف طريقًا لزوجي الذي راح ينقذ أحد الجرحى في شارعٍ من شوارع المخيّم".

يستقبل الأهالي في مناطق أخرى بجنين النازحين. يعرفونهم ولا يعرفونهم، في أبهى صور التكافل، يحتضنوهم ويوفرون كل مستلزماتهم الأساسية. هذا يفتح منزله، وآخر يفتح فندقًا، وكنيسة "بيت الزيارة" قالت أهلًا وسهلًا بأهلنا في بيتهم.

وأمام هذه المشاهد، كانت مُسنة تسير مع أحفادها وأمهم. لم تبكِ وتقول "إنها لن تبكي". فهي التي شهدت على مجزرة الاحتلال بالمخيّم ذاته عام ٢٠٠٢م. تتحدث: "ليست غريبة علينا هذه المشاهد، احتلال بمنتهى البشاعة ماذا سينتج عنه؟".

هذه "النكبة" التي يعيشها الفلسطينيون يوميًا، يصبحون ويمسون عليها. لكن أكثر ما يؤلم وفق الحاجة "مريم" تشتت الجثث. عائلات لم تستطع مواراة جثامين أبنائها الثرى. عند هذه المشاهدة تثقل القلوب، وتنعدم القدرة على قول كلمات المواساة. 

وارتفعت حصيلة الشهداء في اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها في شمالي الضفة الغربية، إلى 10، بالإضافة إلى نحو 100 جريح بينهم 20 في حالة الخطر.