تمرٌ وقهوةٌ.. عيدٌ حزينٌ في منازل الشهداء
تاريخ النشر : 2023-06-28 13:28

فلسطين:

تمرٌ بدلًا من الشوكولاتة، وقهوةٌ مُرّةٌ بدلًا من العصير! استعداداتٌ لا تشبه أبدًا أجواء العيد في الضفة الغربية، كيف لا؟ والفقد على مرمى حجر من كل بيتٍ هناك.

في منزل آل نغنيغة يبكي "الفرح"، ففراشة البيت "سديل" استشهدت برصاصةٍ إسرائيلية قبضت روحها من منتصف بيتها. هناك أيضًا تبكي أمها كل الضحكات، والأمنيات، وثياب العيد الجديدة.

أصيبت سديل التي تبلغ من العمر 15 عامًا، برصاصة قناصٍ إسرائيليٍ في رأسها، وأُغرقت بدمائها حتى نُقلت للمشفى بوضع خطير، ثم لم تمض ساعات حتى أعلن استشهادها فجر التاسع عشر من حزيران/يونيو، بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية.

بعد اليوم، لن تستقبل سديل الأقارب في العيد، ولن تأكل الكعك والمعمول الذي تشتهيه، ولن تحتفظ بأنواع الشوكولاته التي تحبها في حقيبتها الجديدة. سيبدو صباح العيد باردًا في قلب أبيها وأمها. وستنقص العيديات حصّة سديل. ستتحوّل المشاوير إلى غصة بغيابها. فهي التي كانت تعدّ الأيام وتحسب كم ستهدى من المال وكيف ستصرفه! 

يقول أيهم تركمان من جنين: "هذا العيد سيكون من أقسى أيام العام. عشرات المنازل سوف تستذكر أبناءها الشهداء، وستُفتح بيوت العزاء مجددًا ويأتي الناس للمواساة بدلًا من المعايدة". 

ويضيف: "الجراح التي ظننا أنها التأمت ستعود لتنزف في العيد، في عيون الأمهات وهن يتأملن شريط ذكريات أبنائهن وبناتهن الذين غيّبهم الاحتلال برصاصه، وكذلك الآباء الذين يستقبلون مواكب المواسين من جديد".

"وأما العائلات التي لم تجرب شعور الفقد، فتختلف طقوس احتفالاتها وفق المزاج العام للأقارب والجيران. الشهداء هنا هم أبناء كلّ المنازل، وكلّ المنازل حزينة يمرّ عليها العيد بخجل وحذر"! تعلق سما عليان من نابلس.

وتزيد: "نحن أقرب للحزن من أي مظهر للفرح بعيدٍ أو غيره. بأي وقت يمكن أن تتبدل الطقوس، وهذا وفق مزاج الجنود الإسرائيليين الذين يرقبون أدق تفاصيل حياتنا. لا ينفكون عن الاحتفاء بموتنا، بل يتراهنون على أرواحنا، من يقتل هو من يكسب!".

تصوّروا! على قدر المشاهد المبهجة التي تلتقطها العدسات وتُبث للعالم في عيد الأضحى بفلسطين، على قدر الآلام المدفونة، والتخوّفات من انقلابها في أي آن: ربّما على شكل قصف إسرائيلي، أو هجوم بالرصاص من قبل قوات خُصّصت لقتل الأنفس. تخيّلوا! عمل هؤلاء الجنود هو القتل، مقابل المال. راتب مقابل الدم! إنه مبدأ تحيا عليه "إسرائيل" منذ احتلالها فلسطين.

"يا رب ما تصير حرب" دعوةٌ لم تكفّ الطفلة ريهام عرفات من غزة عن ترديدها كلّما تأملت ملابسها الجديدة التي اشترتها أمها لأجل العيد.

تُخبرنا أمها: "يا ليت الحرب تموت! ينقبض قلبي كلّما تدعو ريهام، فالحرب باتت أقرب إلينا من أي فرح".

ليس ما يقوله الناس نظرات تشاؤمية للحياة، لكنها الصورة الأقرب إلى الواقع والمنطق هنا تحت الاحتلال، نظرات نتيجة معطيات وحقائق سابقة. أي عيد مرّ من دون موت؟ أي عيد مرّ دون معاناة وفقد؟ هنا "إسرائيل" "بطلة" كلّ الرعب هذا.

منذ بداية العام 2023م، قتل الاحتلال 180 فلسطينيًا بينهم 30 طفلًا و6 سيدات، شُيْعوا على أكتاف المحبين الذين ضغطوا على جروحهم وقاتلوا من أجل القيام بهذه المهمّة لعلّهم يستطيعون إمضاء وقتٍ أطول معهم! يخبرونهم بأن الموت انفلت على الأحياء أكثر منهم، فربّما يرتاح "الشهيد" لكنّ المأساة بأحبابه الذين يرونه في كلّ تفاصيل حيواتهم.