عائد سليم.. شهيدٌ شيّعوه من "قلب أمه"
تاريخ النشر : 2023-04-10 11:33

قلقيلية:

هنا، الخوف رفيق أيامنا: نخاف من الموت، نخاف من الفقد، نخاف من الحلم حتى! هنا، كل شيءٍ يحدث فجأة، دون ترتيبٍ مسبقٍ نعلن الفرح، ودون ترتيبٍ كذلك نرفع رايات العزاء.

في منزل الشهيد عائد سليم ابن بلدة عزون شرقي قلقيلية، تصدح شهقات الدمع عاليًا، "لن يعود عائد، ولن نسمع لضحكاته صدىً في زوايا البيت" تقول أخته، بينما تلملم أمه جرحها الغائر، وتخبر عين الكاميرا: "كان بحب وطنه كثير، طلب الشهادة ونالها، كان كل ما يستشهد حدا يقول يما نفسي بهيك موتة، طلبها ونالها الله يرضى عليه، فدا فلسطين يا حبيبي".

خارج جدران المنزل كان سيل المشاركين في الجنازة يتدفق من كل حدبٍ وصوب، تتمتم أمه: "كأنهم شيّعوه من روحي". ملامح الناس غاضبة. يسير أطفال وسط الحشود يحملون صور عائد ويقبّلونها قبل رفعها عاليًا أمام الكاميرات التي تبث الحدث. وبين هذا وذاك، يتربع نعش الشهيد على أكتاف المشيعين، وسط هتافات وصلت مسامع أمه "يا أم الشهيد نيالك، يا ليت أمي بدالك".

استشهد عائد عزام محمود سليم (20 عامًا) بالأمس، متأثرًا بإصابته، بعد استهداف جنود الاحتلال له في شارعٍ اندلعت فيه مواجهات. أطلقوا عليه النار، فاخترقت أربع رصاصاتٍ صدره وبطنه!

المشهد كان مرعبًا، وفق شهود عيان، إذ لم يكتف الجنود المدججون بالأسلحة بهذا، بل أخذوا ينكلون بجثمانه، وانهالوا عليه بالضرب والسحل والهراوات، ضمن مسلسلٍ إجرامي لا يتوقف. 

ردّة الفعل الأولى لأبيه كانت مؤلمة، إذ أخذ يصلي ويقرأ القرآن، ثم انفجر باكيًا في المستشفى حين تلقى الخبر، وسط محاولات مواساة من أقارب تواجدوا معهم، "هم أيضًا لم يتمكنوا من لجم دموعهم".

وعادة، عندما يرد خبر استشهاد شاب فلسطيني، يبدأ الناس البحث عنه في مواقع التواصل، من يعرفونه ومن لا يعرفونه، يتساءلون: "كيف كانت حياته، ماذا تمنى؟ ما الصور التي شاركها؟ أو كيف هو شكله؟ ما آخر منشورٍ كتبه، ولمن أهدى آخر دعواه".

كان عائد طويل القامة وسيمَ الهيئة. ارتدى قميصًا عنابي اللون وابتسم لآخر صورة شاركها على حسابه. تداولها الناس، ورثوه بأطيب "الأناشيد" التي أحبَّها. غاب عائد، لكن اسمه بقي حيًا في قوائم الكثير من أصدقائه في العالم الافتراضي، يقرأونه ويقرأون له الفاتحة ويبعثون الرحمات!

وباستشهاد الشاب سليم يرتفع عدد الفلسطينيين الذين ارتقوا برصاص واعتداءات الاحتلال منذ بداية العام الجاري إلى 95 شهيدًا، في مناطق متفرقة من الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل.