"ستة ميل".. مسافة "العذاب" في بحر غزة
تاريخ النشر : 2022-12-22 11:02

على شاطئ البحر القريب من بيته في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، يمضي الفنان الطفل أحمد بكر (13 عامًا)، ساعات عديدة، يتابع خلالها الصيادين أثناء عملهم.

"ذاك يجهز مركبه، وآخر يصلح شبكته، وثالثٌ يدخل البحر ويخرج منه ومعه ما أكرمه به الله من رزق"، يغطس بكر بين أوراقه البيضاء، ويبدأ بتدوين الملاحظات على هيئة رسومات مبدئية، للوحةٍ توثق حال الصيادين في غزة.

يعمل غالبية أقارب بكر في مهنة الصيد، هناك حيث نشأ، كان يشاهدهم دائمًا ويسمع عن الانتهاكات التي يتعرضون لها في عرض البحر، من إطلاق نيران، واعتقالات، وتخويف، ومصادرة معدات.

على هذا الواقع نشأ أحمد، وفي مرحلةٍ مبكرةٍ من عمره، بدأت والدته تنتبه لرسوماته التي كانت تملأ كتبه، ودفاتره، "حتى تلك التي لا علاقة لها بمادة التربية الفنية"، وهو الأمر الذي دفعها لإلحاقه بدورات تدريبية، ومؤسسات تُعنى بتنمية هذه الموهبة وتطويرها.

يقول أحمد: "هناك وجدتُ بالفعل ما كان ينقصني، وتعلمتُ أساسيات الرسم بالفحم، قبل أن أتدرج للرسم بالألوان، ومن بعده النحت، حينها أشعر أنني بالفعل قادر على أن أعبر باللوحات الفنية عن كثير من القضايا التي تركت أثرًا بداخلي".

يتابع: "من أكثر المواقف التي لا يمكن أن أنساها، ما حدث مع ابن عمي الذي ركب البحر وعاد شهيداً، أذكر ذلك اليوم جيدًا، وبقي محفورًا في الذاكرة، وجدتُني أرسم ما حدث معه، صياد خرج للبحر بحثًا عن رزقه، فاستُشهد برصاص الاحتلال الذي لاحقه داخل البحر".

يعمل الطفل بكر على مشروع فني باسم "ستة ميل"، وهي المسافة التي تسمح سلطات الاحتلال للصيادين دخولها في عمق البحر، "وقد اختار المشرف الفني بالمركز هذا العنوان للمشروع تبعًا لأنني الأقدر على التعبير عن معاناة الصيادين داخل البحر" يضيف.

"ستة ميل" لا يعبر فقط عن مشروع فني لطفل لم يتجاوز الثالثة عشرة، ولكنه كناية عن مسيرة حياة لمجتمع الصيادين في قطاع غزة المحاصر، الذي يواجه خلاله الصيادون، كل أشكال الانتهاكات والملاحقة من قبل قوات الاحتلال وزوارقه، التي لا يتوقف استهدافها للصيادين بشكل يومي.

رسم بكر لوحة لصياد ارتقى على متن مركبته، ودخان ونار يخرجان إلى الأعلى، تعبيرًا عن استشهاد قريبه وغيره من الصيادين الذين ارتقوا خلال بحثهم عن لقمة العيش في عمق البحر، يتابع: "من المؤلم أن يفقد الإنسان حياته لأنه يحاول الحفاظ على مركبه، التي تعد مصدر رزقه، وهذا ما يحدث مع الصيادين داخل البحر".

يعاني الصيادون من عدم إدخال المعدات اللازمة لصيانة مراكب الصيد، بفعل الحصار الإسرائيلي، وحظر دخول هذه المعدات للقطاع، ما يفقد الكثيرين لمصدر دخلهم، وهو ما جسده بكر في لوحة فنية لصياد يحاول إصلاح ماتور مركبه بنفسه.

لا تقتصر رسوماته فقط على الصيادين، وإنما يهتم بكر بتجسيد الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في فلسطين، من استهدافٍ بقصف البيوت على رؤوس ساكنيها في غزة، واعتقالات الأطفال في الضفة المحتلة.

يطمح الطفل بكر لأن يشارك في معارض دولية، بمجموعة لوحات "ستة ميل"، من أجل نقل معاناة الصياد الفلسطيني، بفعل انتهاكات الاحتلال التي لا تتوقف بحقه أبدًا.