مياه "غير صالحة" تجري في عروق سكان المخيمات بغزة
تاريخ النشر : 2022-11-24 14:25

غزة : 

كانت المواطِنة فيروز أحمد (33 عامًا) ترتدي قفازات جلدية بيديها أثناء عملها في تنظيف أواني المطبخ. لجأت إلى هذه الخطوة إثر التشققات الجلدية التي أصابتها بسبب ملوحة مياه منزلها في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة.

تشتكي فيروز كما غيرها من أهالي المخيمات، الوضع المائي المتدهور، فتقول: "المياه التي تصلنا مالحة جدًا كأنها قادمة من البحر، لا تصلح للشرب، وبالكاد لتنظيف الأواني وغسل بلاط البيت، وحتى استخدامها للاستحمام فهو مؤذٍ للجلد بسبب نسبة الأملاح العالية".

في مخيم الشاطئ الذي يفوق عدد سكانه 103 آلاف نسمة يعيشون على مساحة لا تتجاوز كيلو مترًا مربعًا واحدًا، تصل المياه الصالحة للشرب إليها لبضع ساعات كل عدة أيام، وهي تحتاج إلى مُولّد كهربائي من أجل رفعها إلى خزّانات البيوت المتواجدة على الأسطح، في مهمة تبدو صعبة، هذا إن تزامن وصل المياه مع انقطاع الكهرباء.

فالمياه التي تصل إلى بيوت المواطنين في المخيم من خلال البلدية، لا يتم استخدامها كما توضح فيروز سوى للاستخدام العام وليس للشرب ولا الطبخ، التي يضطرون إلى شراء مياه محلّاة لهما من خلال سيارات بيع المياه العذبة التي تجوب الشوارع، حيث تبلغ تكلفة تعبئة الخزان المنزلي ما بين 40-70 شيكل شهريًا.

ويواجه الفلسطينيون في قطاع غزة الذين يتجاوز عددهم 2 مليون إنسان، أزمة طاحنة في توفر المياه الصالحة للشرب، بسبب تسرب مياه البحر إلى الخزان الجوفي، بحيث أصبحت 97% من مياهه غير صالحة للاستهلاك، وفقًا لتقديرات سلطة المياه الفلسطينية.

ويستعيض الفلسطينيون في قطاع غزة عن هذه المياه بشراء مياه عبر محطات التحلية الخاصة، وبمبالغ تفوق قدراتهم المالية، خاصةً بالنسبة للعائلات شديدة الفقر، ما يعني أن الكثير من الناس يحرمون من المياه العذبة في ظل معدّل الفقر المرتفع في القطاع، الذي زاد على 54%.

إلى مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، حيث يعيش المواطن أبو ماجد ثابت حالة من القلق المستمر على أصغر أطفاله أحمد، لإصابته بحساسية في عينيه لم يجد لها حلًا سوى استبدال خطوط المياه الجوفية في المنزل، كونها السبب المباشر في إصابته وفقًا لما أخبره الأطباء.

أبو ماجد هو أب لستة أبناء، هو أيضًا كما غيره من سكان المخيم الذين يتجاوز عددهم 80 ألف نسمة يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة، يعاني من ملوحة المياه التي تصل إلى بيوتهم وانعكاساتها على صحة أبنائه.

يقول أبو ماجد: "أعيش في المخيم منذ ولادتي، كبُرتُ هنا، وكبُرت معي معاناتي من استخدام المياه المالحة، التي تصلنا عبر الخزانات الجوفية رغم أضرارها. أولادي لا يستطيعون تحملها، وهي تشكّل خطرًا على صحتهم، أحاول جاهدًا شراء المياه المحلاة، وهي تكلف 20 شيكلًا كل أسبوعين، وهذا عبء مادي إضافي عليّ".

تتفاقم مشكلة المياه صيفًا -كما يوضح أبو ماجد- بسبب زيادة استخدام الناس لها، وتنقطع لفترات طويلة، وهذا يضطره لجلب كميات أكبر من المياه المحلّاة، ويضيف: "وللتوفير، أحيانًا نضطر أنا وزوجتي للبقاء مستيقظين ليلًا لفترات طويلة، كي نراقب مجيء المياه العذبة عبر خط البلدية لتعبئة خزان البيت".

يكمل: "حتى هذه أشعر أنها لا تصلح، فبعد انتظار ساعات تأتي مياه الصنبور باللون الأصفر وأحيانًا رمادي، يعني غير صالحة لأي استخدام".

ويجبر المواطن أبو ماجد على استبدال صنابير المنزل بأخرى جديدة بشكل مستمر، بسبب تراكم الصدأ فيها نتيجة ملوحة المياه، وقد لجأ مؤخرًا لاستبدالها بصنابير بلاستيكية، فهي ربما تكون أقل حدّة حسب اعتقاده، وينبه: "استخدام هذه المياه أصلًا ليس للشرب ولا للطبخ، فقط لغسيل الأواني وأرضيات البيت، وحتى بعض المزروعات تتضرر منها".

وفق بيانات سلطة المياه، فقد أنشأت ثلاث محطات تحلية يشكل مجموع ما تنتجه 36 ألف متر مكعب من المياه المحلاة، توزع على مدن قطاع غزة ليستفيد منها الجميع.

ولا تتجاوز نسبة تغذية الخزان الجوفي لقطاع غزة 50 مليون متر مكعب، بينما تُستنزف أربعة أضعاف هذه القدرة.

في حديثه لـ"نوى"، يقول المهندس منذر شبلاق مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل: "إن المخيمات تشكل أكبر نسبة كثافة سكانية في قطاع غزة، وهذا يشكل ضغطًا كبيرًا على مياه الآبار الجوفية، فتصل أكثر ملوحة".

ويعتمد قطاع غزة  في مصادره المائية على مياه الأمطار "إذ ليس لدينا أنهار"، هذا يدفع الناس نحو مياه البحر كمصدر وحيد لتغطية احتياجات المواطنين، حسب شبلاق، الذي يوضح أن هذه هي الأسباب المباشرة لملوحة المياه في المخيمات، وهي ذات الأسباب في كل قطاع غزة.

وتابع شبلاق: "قطاع غزة يوجد فيه ثلاث محطات تحلية مياه موزعة على عدة مناطق، تغذي مخيمات اللاجئين، لا سيما في منطقة دير البلح التي لها نصيب الأسد، ثم حي الأمل في خان يونس وتل السلطان في رفح، فمصلحة المياه تحاول قدر الإمكان تغطية جميع المخيمات والمدن بالمياه المحلاة حسب المتاح، وهي بصدد إنشاء محطة كبرى ستعمل على تحلية مياه القطاع كافة بما فيها المخيمات".

وكان مدير عام التخطيط والتوعية في سلطة المياه وجودة البيئة منذر سالم، صرّح خلال مؤتمر صحفي، بأن عدم وجود مصادر كافية للمياه، دفع السكان إلى المزيد من الضغط واستنزاف الخزان الجوفي، ما نتج عنه ارتفاع حاد وخطير في ملوحة المياه، التي تجاوزت نسبتها المعايير الدولية الخاصة بجودة مياه الشرب.

وفقًا لسالم، يبلغ الاستهلاك الفعلي 250 مليون متر مكعب سنويًا، بينما يصل متوسط ما يتساقط على القطاع من مياه أمطار إلى نحو 130 مليون مترًا مكعبًا سنويًا، "ويستفيد الخزان الجوفي فعليًا بقرابة 40-50 مليونًا، وتذهب باقي الكمية إلى البحر".