لمعة ليل" تضيء وجوهًا فلسطينية وعربية بغزة
تاريخ النشر : 2022-09-08 18:34

بفخرٍ تمسك فاطمة بكر (16 عامًا) بيد صديقتها وتجذبها إلى حيث لوحتها هناك تتصدر أحد جدران معرض "لمعة ليل"، الذي أقيم بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

"محمود درويش، هو أصل المشاعر والكلمة"، قالت لها، وهي تشير إلى صورته التي رسمَتها بدقة، ووزّعت ألوانها بتوازنٍ وألق. هناك كادت الفرحة تقفز من عينيها بينما الضيوف يتهافتون على مشاهدة اللوحات، وأمام إعجابهم بفنّها لم تجد إلا أن ترفع رأسها عاليًا، وترسل قبلاتها إلى حيث أمها كانت تنتظر.

المعرض الذي افتُتح أمس، ويستمر على مدار يومين اثنين، أقيم برعاية مركز بُناة الغد، بمشاركة 32 فتىً وفتاة من رواد المركز، وضمَّ 60 عملًا فنيًا لشخصيات فلسطينية وعربية، أثّرت في الحياة السياسية والفنية والثقافية.

تقول فاطمة (16 عامًا): "وجدتُ نفسي تواقةً لتعلم أساسيات الرسم منذ بضع سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أتردد على مركز بناة الغد، الذي وفر لي كل الأدوات والمعدات اللازمة من أجل ممارسة موهبتي وتنمية مهارتي في فن البورتريه".

وأثنَت الفنانة المشاركة رهف عبد الهادي في كلمتها نيابة عن الفنانين/ــات المشاركين/ــات، على المركز الذي احتضن مواهبهم، وتنميتها، من خلال دورات فنية متقدمة في كل الفنون، وآخرها فن "البورتريه"، مشيرةً الى أن زملاءها وزميلاتها اختاروا رسم شخصيات ملهمة كان لها إسهامات فنية وثقافية ووطنية، لإعادة تسليط الضوء عليها، وتكريمها.

الفنانة الصغيرة لين السميري، وجدت نفسها تخط بأناملها لوحةً للشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة. تقول: "من أكثر الشخصيات التي أثّرت فيَّ خلال الفترة الأخيرة حادثة استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، أردتُ أن أرسم لوحة لها، تكريمًا لروحها، ولتبقى شاهدةً على جرائم الاحتلال بحق الصحفيين والمدنيين على حدٍ سواء في اعتداءاته المتواصل ضد الشعب الفلسطيني".

في زاويةٍ أخرى، تقف الفتاة لما العقاد لتستقبل الزوار وتعرفهم على نفسها. وعن لوحاتها التي شاركت بها في المعرض قالت: "رسمتُ وجه طفل تم تكميم فمه، في إشارة لمطالباتنا المستمرة بضمان حرية التعبير والرأي"، أما اللوحة الثانية فكانت لفتاة تتوشح بالكوفية الفلسطينية، تأكيدًا على الهوية الوطنية".

تتمنّى الفنانة الصغيرة أن تقف يومًا وهي تشرح للزوار عن لوحات معرض خاص بها، تكمل: "حلم حياتي أن أصبح فنانة تشكيلية كبيرة. وصدقًا إن وجودي ضمن مركز فريق المركز صقل موهبتي، ومنحني ثقةً بالنفس، ناهيك عن أساسيات رسم البورتريه".

وفي زاويةٍ أخرى، وبجانب لوحتها، تقف بيان عابد، التي شاركت برسمة بنت "مُلثّمة" بالكوفية الفلسطينية، "تأكيدًا على تمسُكنا بالأرض، وإيصال صوتنا للعالم كشعب تحت الاحتلال والعدوان" تقول.

أمل المغربي (14 سنة)، إحدى المشاركات بلوحةٍ لطفلة تتشح بالكوفية، تقول: "حاولنا أن نضيف الكوفية كلمسة في غالبية اللوحات، وأردنا توصيل رسالة للعالم كله من خلال تجسيد معاناتنا في فلسطين بسبب الاحتلال، وإبراز الكوفية الفلسطينية في رسومات معظمنا، يأتي كمساءلة للعالم حول بقائنا تحت الاحتلال، حتى اليوم".

ميسون الفقعاوي، منسقة المتابعة والتقييم بجمعية الثقافة والفكر الحر، عبّرت بدورها عن سعادتها بإنجازات الأطفال اللافتة للنظر، التي استطاعوا من خلالها توظيف فن البورتريه في بعده الجمالي والإنسان،  مشيرةً إلى أن رسم الشهيدة أبو عاقلة، جاء تكريمًا وتقديرًا لدورها الإعلامي، ولتبقى قضيتها حيّة، وشاهدة على جرائم الاحتلال.

مدرّب الفنون في المركز، الفنان التشكيلي محمد أبو لحية، أوضح لـ"نوى" أن هذا المعرض يأتي نتاج دورة تدريبية استمرّت ثلاثة أشهر، باستخدام أقلام الفحم والرصاص، والظل والنور والطبيعة الصامتة، والبورتريه.

الدورة -وفقًا لأبو لحية- استهدفت فتيان وفتيات من عمر 12 لـ 16 سنة، وتهيئة مساحة حرة للتعبير عن أنفسهم، في مجال الفن التشكيلي، وتوفير كل الإمكانيات لتنمية قدراتهم في مجال الرسم.

ولفت أبو لحية إلى أن المركز يتعامل مع كل الفئات التي تتردد على المركز، سواءً أولئك الذين يمتلكون الحس الفني، أو لا. "فمن الممكن أن نكتشف موهبة الشخص بعد فترة، وهو ما يجعلنا نفتح المساحة للجميع على حد سواء، وننفذ تدريبات تراعي أصحاب الموهبة والأشخاص العاديين، من خلال تمكينهم بأدوات الرسم" يكمل.

وختم بالقول: "من المهم أن تتوفر مراكز ثقافية تساهم في اكتشاف وتنمية مواهب الأطفال الفنية، لتصل إلى كل مكان، فهذا يساعد الأطفال على تحديد مستقبلهم، واكتشاف هواياتهم ومواهبهم".