"العواودة".. نصر "وكاسة شاي كمان"
تاريخ النشر : 2022-09-01 11:37

الخليل: 

في الثامن والعشرين من آب الفائت، نشر مكتب إعلام الأسرى صورًا مؤلمة للأسير خليل العواودة داخل مستشفى "اساف هيروفيه" الإسرائيلي، "كهيكلٍ عظميٍ بدا لولا أن قلبه ينبض" هكذا وصفته وسائل الإعلام العربية والمحلّية، وكهيكلٍ عظميٍ اليوم يرفع شارة النصر بعد إعلان تعليقه الإضراب المفتوح عن الطعام عقب التوصل إلى اتفاقٍ بالإفراج عنه.

خليل (40 عامًا)، أمضى 172 يومًا مضربًا عن الطعام، رفضًا لاعتقاله الإداري، وواجه خطر "الوفاة المفاجئة" وفقًا لبيانات المكتب، تحت شعارٍ صدح به مرارًا: "من أجل الحرية، حتى لو فني لحمي وتلاشى جسدي".

الاتفاق المكتوب وفق هيئة شؤون الأسرى، ينص على تحديد سقفs إداري للإفراج عنه بتاريخ الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2022م، وإعطائه قرارًا جوهريًا بالبقاء في المستشفى حتى تعافيه تمامًا، مع ضماناتٍ لعدم عودته إلى السجن لا سيما وأن حالته الصحية تتطلب رعاية، ووقتًا للتعافي.

بصوتٍ متقطّع واهن، وبينما كان يتناول كوبًا من الشاي، وجّه العواودة كلمةَ نصرٍ قال فيها: "الحمد الله على كرمه ولطفه. هذه أول كوب شاي من يد إخواننا في الداخل، أحبابي وعشيرتي شكرًا لكم، شكرًا لمؤازرتكم ووقفاتكم ودعمكم، شكرًا للجميع، والحمد لله، وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن".

أغمض عيناه المرهقتان، وتحدّث عن عدالة قضيته التي أضربَ من أجلها حتى فقد وزنه الذي هبط من 86 كيلو إلى 35، قائلًا: "أنتم شعب عظيم، أنتم شعب عظيم، هذه قضية عادلة تستحق أن أبدأ نصري بها بشرب الشاي".

وسرعان ما عمّت مظاهر الفرح والابتهاج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي احتفت بهذا النصر الكبير، فيما خرجت والدة العواودة بفيديو بثته صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ترسل عبارات الشكر والامتنان للشعب الفلسطيني، "ولكل من وقف مع خليل في قضيته العادلة".

بدورها، أشارت الناطقة باسم نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة في حديثها لـ"نوى" إلى أن خليل بحاجة إلى فترة علاج طويلة بعد الإفراج عنه، "فهو الآن يعاني من مشاكل صحية في كل أعضائه الحيوية، وهزال وضعف شديد في الذاكرة والتركيز، والطاقة والعضلات والمناعة، وحسب آخر تقرير طبي له قبل تعليقه الإضراب فقد كان معرّضًا للوفاة في أية لحظة".

وألقت سراحنة لومًا على منظمات حقوق الإنسان الدولية، التي تدرك ما يحدث مع الأسرى الفلسطينيين -خصوصًا المضربين عن الطعام- ولكن لا تتحرك بالشكل الكافي من أجل إنقاذهم.

حالة الوهن الشديد التي ظهر بها العواودة، تعيد إلى الأذهان كل حالات الإضراب الفردي التي خاضها أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي تركز هدفها غالبًا على الاحتجاج على الاعتقال الإداري، حيث تعتقل سلطات الاحتلال حاليًا نحو 500 فلسطيني إداريًا دون تهمة أو محاكمة، ودون حتى سقف زمني للإفراج عنهم.

والاعتقال الإداري، سياسية يمارسها الاحتلال ضد الفلسطينيين، منذ عام 1967م، وفيها يُحتجز الفلسطيني دون لائحة اتهام لمدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر، يمكن تمديدها بشكلٍ تلقائي، ودون سبب، ما يدفع المعتقلين إلى خوض إضرابٍ عن الطعام، كمحاولةٍ أخيرة للإفلات من براثن واقعهم الصعب، غير مكترثين للضريبة التي يمكن أن يقدموها بمجرد المضيّ قدمًا في هذا القرار.

"نوى" كانت قد التقت الأسيرة المحررة هناء شلبي، التي سبق وخاضت تجربة الإضراب عن الطعام، وعرفت منها أن تبعات قرار الإضراب، أكبر بكثير من فترته نفسها.

أرادت هناء المبعدة إلى غزة، بإضرابها آنذاك، وضع الاحتلال تحت الأمر الواقع، وهي تدرك سلفًا صعوبة القرار، فمرت عليها الأيام تباعًا مرعبة بتفاصيلها. صداع، إغماءات متكررة، آلام في العظام، جفاف في الحلق والشفاه مهما شربت من مياه، ناهيك عن الضغط النفسي الذي يمارسه الاحتلال، من خلال مواصلة التحقيق والتعذيب، وصولًا إلى آلام الأسنان والمعدة والصدر، مع صعوبةٍ في التنفس، وآلامٍ شديدة في المعدة، وفي العظام، وعدم قدرة على المشي، وضعفٍ في التركيز، والذاكرة، والإبصار، والسمع، وتساقط في الشعر.

تضيف: "كنت أشعر بأن جسدي غير قادر على حملي، فقدان القدرة على المشي يبدأ مع الأسبوع الأول، بالإضافة إلى انخفاضٍ سريعٍ في الوزن، فقدت 15 كيلو في أول أسبوعين، ثم أصبح فقدان الوزن أبطأ، لأن الجسم فقد كل مقومات قدرته"، موضحةً أنها عندما بدأت الإضراب كان وزنها يبلغ 72 كيلوجرامًا، وهبط إلى 45 كيلوجرامًا مع انتهائه.

أما عملية فك الإضراب، فهي أقسى من الإضراب ذاته (والحديث لشلبي)، فجسد الأسير لم يعد يتقبل الطعام الذي انقطع عنه لعشرات الأيام، "وصحيح أنه تمت الاستجابة لمطالبي بالتحرر، لكنني ما زلت أعاني حتى الآن من وضع صحي ونفسي سيء نتيجة هذه التجربة" أردفت.

ما زلت شلبي تتلقى علاجًا لهشاشة العظام الناتجة عن الإضراب، وعلاجًا للمعدة والأمعاء، والصداع أحيانًا، وتساقطَ الشعر ومشاكل في البصر والتركيز والذاكرة.

هي تجربةٌ قاسية لا يذهب إليها الأسرى إلا بسبب واقعٍ مر، لا حلّ له سوى هذه الخطوة، لكن شلبي تؤكد أهمية التضامن مع الأسرى والأسيرات حين يخوضون الإضراب "فهذا يرفع من معنوياتهم جدًا".