"مجزرة رقمية" بحق المحتوى الفسطيني في منصات "ميتا"
تاريخ النشر : 2022-08-18 08:05

غزة:

لم يعد بوسع الصحفي الفلسطيني عمرو الطبش، إيصال رسالته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تقييد المحتوى.

عمرو، الذي كان يستثمر وجود عدد كبير من المتابعين لصفحته، في تثبيت الرواية الفلسطينية، وفضح جرائم المحتل الإسرائيلي، يواجه اليوم تقييد وصول حسابه، وحظرًا من البث المباشر.

يقول لـ"نوى": "مؤخرًا، تم حظري من النشر مدة 24 ساعة، ورسالة تفيد بتقييد حسابي لمدة 60 يومًا، والحظر من البث المباشر لمدة 6 أشهر".

ويؤكد الطبش أن هذه الإجراءات حدّت من قدرته على نقل معاناة المواطنين، وغيّبت روايته عن العدد الأكبر من متابعيه، ضمن سياسة منصة "ميتا" التي تحارب الرواية الفلسطينية بشراسة.

ويتابع: "هذا ليس الاستهداف الأول، فسبق وأن فقدت حسابًا على فيسبوك كان يضم أكثر من 50 ألف متابع، وحاليًا تم حظر حساباتي الثلاثة رغم أنها منفصلة، وكذلك حسابي على منصة تك توك الذي يتابعه نحو 100 ألف حاليًا، لا يصل محتواه إلا لعدد معقول".

ويجزم الطبش أن هذه المنصات تنتهك معايير حرية الرأي والتعبير، وتعمل ضمن سياسة الاحتلال الإسرائيلي، مطالبًا نقابة الصحفيين ومؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل لدى إدارات هذه المنصات، وفتح حوار معهم حول هذه الانتهاكات.

خلال المرحلة الماضية، واجه الكثير من الفلسطينيين، سواءًا كانوا صحافيين أو نشطاء أو حتى مواطنين عاديين، انتهاكاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، تمثلت بتقييد الوصول، والحظر من النشر لمدةٍ أقلُها يوم، بسبب منشورات تتحدث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

الصحافية رشا فرحات أيضًا، طال حسابها هذا الاستهداف، رغم حرصها على تقطيع الكثير من الكلمات التي يتم عادةً حظر الحسابات بسببها، مثل كلمة شهيد أو أسماء تنظيمات فلسطينية، وهي طريقة لجأ إليها الفلسطينيون في محاولةٍ للتعامل مع إجراءات هذه المنصات.

وأوضحت فرحات: "مُنعت من النشر بسبب صورةٍ للشهيد إبراهيم النابلسي، خلال عدوان الاحتلال عام 2021م، ولاحظتُ غياب عدد كبير من الصحفيين، وعرفتُ أن حساباتهم تعرضت لتقييد وصول بسبب منشوراتهم حول جرائم الاحتلال".

ولا يقف الأمر عند الصحافيين والصحافيات، فحتى المواطنين طالت حساباتهم ذات الإجراءات، تمامًا كما تؤكد السيدة ريما سعد الدين من مدينة غزة، التي خصصت صفحتها لنشر صور المشغولات اليدوية التي تنتجها وتسوّقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول ريما: "عادة أنا لا أنشر شيئًا سياسيًا، لكن عندما نكون في قطاع غزة تحت تأثير أحداث وعدوان، نجد من مواقع التواصل الاجتماعي متنفسًا نتحدث فيه عن همومنا".

وتابعت: "تقييد حسابي تسبب به تعليق لي على إحدى الصفحات، يتحدث عن جرائم الاحتلال، وعلى ما يبدو فإنه حتى مجرد الحديث عن معاناتنا ممنوع في عرف فيسبوك".

في عام 2021م، سجّل مركز "صدى سوشال" 425 انتهاكًا بحق المحتوى الفلسطيني خلال العام كله. العام الحالي شهد عددًا مماثلًا حتى نهاية يوليو الماضي، أما خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ونابلس، فقد سجلت هذه الأيام الثلاثة وحدها 320 انتهاكًا، فيما يمكن وصفه بمجزرة رقمية.

الباحث في الدبلوماسية الرقمية، حسن الداوودي، قال: "إن منصات ميتا ما زالت تواصل الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني، رغم وعودها المتكررة بتحسين سياستها، في وقتٍ يستمر فيه الاحتلال بنشر المحتوى التحريضي وخطاب الكراهية ضد الشعب الفلسطيني".

ورغم أن سياسة ميتا -وفقًا للداوودي- تضمن حقوقًا متساوية للشعوب والأعراق في النشر، إلا أن هذا لا يُطبق على الشعب الفلسطيني، مرجحًا أن منصات "ميتا" طوّرت الخوارزميات التي يتم من خلالها استهداف المحتوى الفلسطيني، عبر تقنية الذكاء الاصطناعي.

ورغم فتح العديد من المؤسسات حوارات معها، إلا أن النتائج ظلّت متواضعة، "ما يعني ضرورة التصعيد باتجاه جهات أخرى مثل المستوى السياسي الرسمي، كذلك يمكن أن يكون هناك دور مهم للنشطاء والمؤثرين بالخارج للضغط على إدارة هذه المنصات" يضيف.

سياسة هذه المنصات -حسب الداوودي- أثّرت بشكلٍ واضحٍ على الرواية الفلسطينية، وباتت شبه غائبة لصالح الرواية الإسرائيلية، رغم أن الشعب الفلسطيني لا ينشر سوى الانتهاكات التي يتعرّض لها، "وهذا يدفع للتحرك باتجاه وقف التغوّل الإسرائيلي على روايتنا".

وكان الداوودي تعرض سابقًا لحذف أحد حساباته على "فيسبوك" بسبب منشوراته، وأيضًا تم حظر حساباته على "واتساب" و"انستغرام" لذات السبب، لكن يرى أنه حقق انتصارًا بسيطًا من خلال تواصله مع مركز "حملة"، باستعادة حسابه بعد 14 شهرًا من التوقف، "وهذا شيء يجب البناء عليه بضرورة عدم ترك هذه القضايا تمر" يعقب.

المنسقة الإعلامية في مركز "صدى سوشال" نداء بسومي، أشارت بدورها إلى أن الانتهاكات بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني موجودة، "ولكنها تصاعدت مؤخرًا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعند اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي ورفاقه" تستدرك.

وتكمل: "حين نتحدث عن 320 انتهاكًا خلال ثلاثة أيام، فهذا يعني أننا أمام مجزرة رقمية تزامنت مع المجازر على الأرض".

عدد من الصحافيين حُذفت صفحاتهم خلال هذه المجزرة، وأخرى طالها التقييد، لكن "ميتا" ليست وحدها من ترتكب هذه الانتهاكات وإن كانت الأوسع -والحديث لبسومي- إنما هناك مجموعات من المستوطنين يعملون على متابعة المحتوى الفلسطيني، وتقديم بلاغات ضده.

وتابعت عن "خوارزميات" هذه المنصات القول: "تطورت بشكلٍ كبير، بحيث أصبحت تتعرف على الكلمات التي يتم تقطيعها، لكن صدى سوشال لا يدعو الناس إلى التقطيع، بل أن تكون هذه المنصات حرة، وتراعي خصوصية الوضع الفلسطيني كوننا تحت احتلال، فهنا لا يمكن وصف الشهيد إلا بأنه شهيد".

نجح الفلسطينيون خلال عدوان مايو 2021 على قطاع غزة، في فرض الرواية الفلسطينية، والآن فإن الاحتلال يريد ضرب هذا الإنجاز من خلال تقويض المحتوى الفلسطيني. "هذه الانتهاكات أثّرت بشكل كبير على الرواية الفلسطينية، فحين تسود الرواية الإسرائيلية العالم لن يتقنع إلا بما يصله" تردف.

وخلال 4 أغسطس خرج تقرير نصف سنوي لإدارة "ميتا"، يقول إنه اكتشف أكثر من 200 حساب "فيسبوك" وهمي لشركات إسرائيلية تعمل على نشر رواية كاذبة، ومحاربة المحتوى الفلسطيني، قام بإغلاقها -على ذمته- إلى جانب نحو 100 حساب "انستغجرام".

وتوضح بسومي أن "صدى سوشال" تعمل على التعاون حاليًا مع "ميتا" كي يستجيبوا لمطالب فلسطينية، مثلما نجحوا في السنوات الماضية في استعادة نحو 200 حساب تم إغلاقها.