مقاطعة "المعتقلين الإداريين" لمحاكم الاحتلال.. النضال الجديد
تاريخ النشر : 2022-08-04 13:21

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

كثيرة هي جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. ليس بالضرورة أن تكون أداة الجريمة رصاصًا أو صواريخ وقذائف، فهناك جرائم ترتكبها "إسرائيل" تحت غطاءٍ من قوانين عنصرية ظالمة، الاعتقال الإداري أحدها.

هو قانون من سلسلة قوانين إدارية ورثتها دولة الاحتلال عن الانتداب البريطاني في فلسطين التاريخية قبل النكبة عام 1948م،  سرق الاحتلال أعمار آلاف الفلسطينيين بـ "سيفه" منذ عام 1967م، وما زال يشرع بابه واسعًا حتى اللحظة مهددًا حياة الفلسطينيين بالاعتقال في أي وقت، ومن دون أي مبرر.

ويقبع حالياً في سجون الاحتلال زهاء 700 معتقل إداري، بينهم شروق البدن وبشرى الطويل، وغالبيتهم معتقلون سابقون استمر الاحتلال في ملاحقتهم من دون تهم محددة، لمجرد أن تاريخهم ارتبط بمواجهة الاحتلال ومقاومته، وقد أمضوا في السجون أكثر مما أمضوا في بيوتهم وبين عائلاتهم، حتى تحولت بيوتهم لمجرد أماكن يزرونها بين فترة اعتقال وأخرى.

المعتقلون الإداريون، ومنذ مطلع العام الجاري، خاضوا معركةً نضاليةً من نوعٍ مختلف، قرروا فيها الانتصار على هذا القانون الإسرائيلي الظالم، ليس لأجلهم وحسب، بل لأجل كل من يمكن أن يقع في فخ قوانين دولة الاحتلال العنصرية. لقد قرروا مقاطعة محاكم الاحتلال، التي وصفتها مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة لـ "نوى" بأنها "محاكم صورية".

تقول: "إن الهدف من وراء هذه المقاطعة إسقاط أي شرعية عن هذه المحاكم، وتقييد يد الاحتلال في "ملف الاعتقال الإداري" كي لا يبقى مفتوحًا على مصراعيه من حيث الأعداد، ومدد الاعتقال غير المحددة بسقف زمني".

وتعتمد آلية الاعتقال الإداري على أمرٍ يصدر عن مخابرات الاحتلال ووزير جيشه، باعتقال أي فلسطيني، تحت ذريعة وجود ما يسمونه "ملفًا سريًّا" بدعوى أن المعتقل يشكل خطرًا على "الأمن"، وتترواح مدة الأمر في كل مرة من ستة شهور، وتمتد لسنوات سواء بشكل متواصل أو غير متواصل.

وبحسب سراحنة فإن المحاكمات في الاعتقال الإداري هي محاكم صورية شكلية، إذ تجري فيها المداولات بصورة بعيدة عن أصول المحاكمات العادلة، فلا تقدم فيها لائحة اتهام، ولا تتاح مساحة كافية للدفاع، ويحاكم المعتقل بموجب "ملف سري".

وتزامنًا مع مقاطعة المعتقلين الإداريين للمحاكم، أصدرت سلطات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري نحو (900) أمر اعتقال إداري بين أوامر جديدة، وأوامر تجديد، من بينهم أوامر تخص ثلاثة أطفال، إضافة للمعتقلتين البدن والطويل.

ورغم القيود التي فرضها القانون الدولي على استخدام الاعتقال الإداري، إلا أن الاحتلال يستخدمه على نطاق واسع كعقاب جماعي.

وفي سياق حديثها أشارت سراحنة إلى ما صدر عن منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تقرير لها بعنوان "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين"، قالت فيه: "إن الاعتقال الإداري والتعذيب من الجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، واتفاقية الفصل العنصري".

وفي هذا الصدد، يقول مدير الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة لـ "نوى": "إن مستوى حدة ممارسة الاحتلال للاعتقال الإداري يرتبط بمستوى المواجهة الفلسطينية للاحتلال"، مدللًا على ذلك بتصاعد عدد المعتقلين الإداريين في السنوات الأولى للاحتلال، فمعدل المعتقلين إداريًا ارتفع في سنوات الاحتلال الأولى، ثم سجل انخفاضًا ملموسًا بعد عام 1977م، ومن ثم ارتفع مجددًا مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987م، ليصل عددهم في أعوام الانتفاضة التي توقفت عام 1993م إلى أكثر من عشرين ألفًا.

وبالعودة إلى سراحنة، "فإن المعتقلين لم يركنوا لسياسات الاحتلال، وكانوا دائمي التفكير في ابتكار أدوات مواجهة خاصة، عبر حالات من العصيان والتمرد ومقاطعة المحاكم، وإن الإضرابات الفردية التي خاضوها خلال السنوات الماضية، شكلت تحولًا مهمًا في المواجهة، وفضح سياسة الاعتقال الاداري"، ملفتةً إلى أنه ومنذ أواخر العام 2011م، بلغ عدد المعتقلين الذين خاضوا إضرابات عن الطعام أكثر من 400 معتقل.

وفي سياق المواجهة المستمرة وتنوع أساليب النضال، جاءت مقاطعة محاكم الاحتلال بكافة درجاتها، عن ذلك تضيف: "إن هذه الخطوة بما تحمله من أبعاد وطنية مهمة على مستوى التعامل مع الجهاز القضائي للاحتلال، ساهمت سابقًا ومن خلال التجربة بإحداث تصدّعات كبيرة في شرعية هذه المحاكم، بل وعملت على إسقاط أي شرعية يمكن أن يمنحها التعامل معها".

ويشكل الجهاز القضائي للاحتلال الذراع الرئيسية في ترسيخ سياسة الاعتقال الإداري، وقد كشفت قضايا المعتقلين الذين خاضوا إضرابات عن الطعام على مدار سنوات، خطورة الاستمرار في التوجه لهذه المحاكم، التي  عملت على ابتكار العديد من القرارات التي دعمت موقف مخابرات الاحتلال، وفتحت لها نوافذ جديدة للاستمرار في اعتقال المزيد من الفلسطينيين.

وبحسب بيان سربه المعتقلون الإداريون من داخل سجون الاحتلال، فإنهم أرجأوا خطوات تصعيدية كان من المفترض أن تتزامن مع مقاطعتهم للمحاكم. وبناءً على مفاوضاتٍ مع ما تسمى "مصلحة السجون"، فإن المهلة لتحقيق اختراقٍ في هذا الملف، وتحقيق مطالبهم أو بعضًا منها، تنتهي في شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

يضيف فروانة: "إن دولة الاحتلال أساءت على نحوٍ خطير في استخدام الاعتقال الإداري، وبات سلوكها يشكل جريمةً من منظور القانون الدولي، حين توسعت في استغلاله وتطبيقه، استنادًا لما يسمى بـ "الملف السري"، وأصبح الاعتقال الإداري على يديها، قاعدة، لا استثناء، وإجراءً عقابيًا جماعيًا ضد الفلسطينيين".

وبحسب فروانة فإن "آلاف الفلسطينيين اعتُقلوا إداريًا لأكثر من مرة، وكثير منهم جُدد لهم الاعتقال الإداري مرات عديدة، وقد أمضى بعضهم سنواتٍ طوال في سجون الاحتلال تصل إلى خمس وأكثر، متتالية أو على فترات، وأصبح التجديد سيفًا مسلطًا على رقابهم حتى أصبح الكثيرون منهم سجناء إلى أمد غير معلوم".

وفروانة نفسه عانى من هذه التجربة، إذ اعتُقل مرتين إداريًا، وأمضى سنةً كاملةً في السجن، بلا تهمة أو محاكمة، ومرَّ بما وصفها بـ"محاكم الاستئناف الصورية" من دون معرفة أسباب الاعتقال. عن ذلك يقول: "عايشت المعتقلين الإداريين وكنت شاهدًا على أساليب الاعتقال وظروف الاحتجاز وقسوة الظروف المناخية، صيفًا وشتاءً، وسوء المعاملة أيضًا، وتدني الخدمات المقدمة، وتردّي الطعام كمًا ونوعًا، وانعدام الزيارات العائلية أو الاتصالات الهاتفية".

هذا الواقع المرير -والحديث لفراونة- دفع المعتقلون إلى اللجوء لخطوات احتجاجية متنوعة، جماعية وفردية، للتعبير عن رفض هذا الاعتقال التعسفي، "في ظل صمت المؤسسات الدولية وعجز المؤسسات الحقوقية"، ومن بينها "الاضراب عن الطعام" الذي خاضه خلال العام الماضي فقط نحو (60) معتقلًا، جلهم كان دافعهم رفض الاعتقال الإداري.

وتندرج خطوة مقاطعة المحاكم في هذا السياق الاحتجاجي. يزيد فروانة: "هذه الخطوة أحدثت حراكًا تفاعليًا، وضجيجًا مسموعًا، وشكّلت بدايةً مهمة في مواجهة الاعتقال الإداري"، مشددًا على أهمية إخضاعها لـ"إعادة تقييم" بين الحين والآخر، ذلك لإحداث التغيير المأمول، وكي لا تتحول إلى "أمر مألوف وطبيعي وغير مؤثر". "وهذا يتطلب البحث عن أدوات جديدةـ ووسائل أكثر ضغطًا، بالإضافة إلى اللجوء لفعاليات متدحرجة، دون إسقاط خيار الإضراب عن الطعام كفعل مقاوم أثبت فاعليته" يختم.