وحيدٌ على حاجز.. "بلا ذكريات"!
تاريخ النشر : 2022-07-28 10:48

الضفة الغربية:

حسنًا. لنتخيّل معًا، أن تفقد ذاكرتَك بعد 18 شهرًا من وقتٍ كنتَ فيه تتعرف فيه إلى أصدقاء مدرسة الابتدائية إن التقيتهم في طريقٍ صدفة! أن لا تعرف أمك أو أبيك، أن لا تعرف زوجتك، ولا أطفالك، ولا حتى نفسك! أن تتحول فجأةً إلى يتيمٍ يتحسس الأمان في وجه من يضحك له دون أن يعرف هويته، أن تخاف من الناس ولا تدري أين أنت؟ ولا في أي أرضٍ تعيش! أن تبدأ حياتك الجديدة "بدون ذكريات" وحيدًا على حاجزٍ احتلالي. رموك هناك فتعرّف عليك أحدهم صدفة وناداك وأنت الهائم على وجهك: "قُم يا محمد"

إنه محمد عوني عبيد، ابن قرية "عنزة" جنوبي مدينة جنين شمالي الضفة الغربية. أسيرٌ فلسطيني اعتقله الاحتلال في شهر فبراير/ شباط  من عام 2021م، وحكم عليه بالسّجن 18 شهرًا في سجن النقب الذي يقع بالداخل الفلسطيني.

يقول أحمد شقيق محمد (وهو أب لثلاثة أطفال): "أخي لم يكن يعاني من أي أمراض قبل اعتقاله. شاب كالوردة، يتمتع بكامل حيويته، شغوفٌ بالحياة لا ينضب في قلبه الأمل".

لم يتعرف عليه حين رآه لأول مرة –كما يخبرنا- ويكمل: "إنسان مريض، رموه عند حاجز عسكري، يخاف الجميع وينطوي على نفسه. لم يتعرف على أحدٍ منا، ولم يعرف حتى أطفاله!".

ووفق رواية شقيقه، فقد تعرض محمد لإجراءاتٍ تعسفية، وتعذيب كبير في مركز تحقيق "الجملة" ومن قبلها ضغوطات نفسية، حتى طلبت العائلة طبيبًا نفسيًا للنظر في حالته، لكن الاحتلال قابل الطلب بالرفض القاطع.

ويزيد: "شقيقي لم يكن لديه أمراض، خرج من السجن بجسدٍ منهك، وفشل كلوي، وأمراض نفسية لا عدّ لها".

قبل الإفراج عنه، كانت سلطات الاحتلال قد أخبرت عائلته بالموعد، وأنهم سيطلقون سراحه عند حاجز الظاهرية، فتجهزت العائلة لاستقباله، لكنها فوجئت بعدم وجوده بين الأسرى الذين خرجوا من سيارة السجّان.

صدمةٌ كبيرة، ضربت قلوبهم حين شاهدت العائلة ابنها الأسير محمد بين أيادي عمالٍ فلسطينيين في تلك المنطقة يحاولون مساعدته، قالوا لهم إن الاحتلال تركه على الأرض، بينما هو لم يتحدث بكلمة، ولم يعرف نفسه، وبدا خائفًا من الجميع.

وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، حذرت في بيانٍ لها مما وصفته بـ "الانحدار الأخلاقي والإنساني في التعامل مع الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي".

وأشارت إلى أنه مِن خلال متابعات حالات الأسرى المرضى فيما يسمى بمستشفى سجن الرملة، وعسقلان، وريمون، وعوفر، والنقب، وباقي السجون الإسرائيلية، فقد لوحظ تجاهل الأمراض، وعدم تقديم العلاجات والأدوية "ذلك ضمن سياقٍ ممنهج ومنظم على ما يبدو".

ومن الجدير ذكره، أن هناك المئات من الأسرى المرضى داخل السجون والمعتقلات، يعيشون واقعًا صعبًا ومعقدًا، بينهم 200 حالة بحاجة إلى رعاية طبية خاصة.

ويبلغ عدد الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 4650 أسيرًا، يعاني من بينهم 22 أسيرًا من أمراض السرطان والأورام المختلفة، في حين يبلغ عدد الأسرى الذين يعانون أمراض الكلى 11 أسيرًا.

ومنذ عام 1976م، وحتى تاريخ حزيران/يونيو لعام 2022م، استشهد 229 أسيرًا، بينهم أسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.