"الكُرش" التي تعدّها ميسون "مسكٌ وعنبر"
تاريخ النشر : 2022-07-10 20:03

في مطبخ منزلها، تنشغل الشابة ميسون (25 عامًا) في تجهيز أدوات ومستلزمات تنظيف وتجهيز "كرشة" خروفٍ وصلتها صبيحة اليوم، في محاولةٍ لاستثمار موسم عيد الأضحى المبارك، من أجل تحسين أوضاع عائلتها المادية.

الرحلة في سوق العمل والتجربة، بدأت كما أخبرت ميسون "نوى" خلال الدراسة الجامعية، "حين لجأتُ لتصنيع وبيع المعجنات من أجل توفير مصاريف الجامعة، وكنتُ أروّج لمنتجاتي من خلال صفحةٍ أطلقتُ عليها اسم مسك وعنبر".

بعد ثلاث سنوات من تخرجها، لم تحظَ الشابة بأية وظيفة، أو حتى عمل مؤقت في مجال تخصّصها بالإرشاد النفسي، فوجدت أن استمرارها في مجال الطبخ أمر لا مناص منه، "وهنا كان لا بد من بعض التغيير" تقول.

فوجئت الشابة بعشرات الطلبات تطرق باب صفحتها ما أن أعلنت استعدادها لتنظيف (كرش العيد)، أو حتى حشوها وتجهيزها مسلوقةً أو مشويةً حسب الطلب، في موسم عيد الأضحى قبل ثلاث سنوات! ودون تخطيطٍ مسبق وجدت نفسها فجأةً زبونةً دائمة لدى محلات بيع الكرش والفوارغ بغزة.

لمساتٌ خاصة تضفيها ميسون إلى طبق الكرش يجعل منه طبقًا مميزًا بنكهةٍ ومذاقٍ لا يقاوم. لا تُفشي سر طبختها، لكنها تؤكد أن السر يكمن في تفاصيل الطبخ، واستخدام البهارات الخام بعد تنظيف الكرش بطريقةٍ تضمن بالفعل أن تكون رائحتها "كما المسك والعنبر" على حد وصفها.

صعوبات ومشاكل كثيرة تواجهها ميسون أثناء العمل، ورغم أن المجهود الجسدي والوقت الطويل في إعداد هذا الطبق التراثي، إلا أنها تجد متعة ورغبة في مواصلة العمل على اعتبار أنه طبقٌ محببٌّ لكثيرين ممن يعرفون قيمته الغذائية، ويحتاج إلى دقةٍ في التنظيف، وإتقانٍ في العمل، ولمسات خاصة تضفي نكهة مميزة عليه.

وتُعدُّ "الكُرَش" من الوجبات الصحية التي تحتوي على العديد من العناصر الغذائية الهامة للجسم، مثل المغنسيوم، والفوسفور، والكالسيوم، التي تقي من التهابات وهشاشة العظام، وتعمل على تزويد جهاز المناعة بالكولاجين اللازم للجسم، كما أنها تزيد من نضارة البشرة والجسم وحيوية الشعر، وتقي من التشققات والجفاف.

في موسم العيد، تعمل ميسون بصعوبة على انتقاء الكرش والفوارغ وشرائها من أصحاب المحال التجارية المتخصصة بذلك، من أجل تجهيزها لأصحاب الطلبيات، رغم أنها تفضل كثيرًا أن يجلبوها لها بأنفسهم كنوعٍ من الضمانة.

تضيف: "كنت في السابق أعتمد على الشراء من خلال الهاتف والتوصيل للمنزل، لكن في كثيرٍ من الأوقات كانت تصلني الكرش والفوارغ بشكل غير مقبول، قد تكون غير طازجة، وأحيانًا تكون مخمّرة بالـشيد (الجير الحجري) ما يجعلها تعطي وزنًا غير حقيقي، وهذا جعلني أقرر نزول السوق بنفسي لشرائها وضمان جودتها عند وصول أي طلب".

يشارك ميسون في العمل بعض أفراد عائلتها، ما بين تنظيفٍ وحشوٍ وطبخ، ويجدون في الأمر فرصةً لكسب الرزق، والتغلب على ضيق الحال وغلاء المعيشة.

تردف: "هذا العمل يضفي حيوية على يومنا خلال العيد، ويجعلنا نشعر بشعور أصحاب الأضحية ذاتهم".

ميسون التي تردها عشرات الطلبيات في عيد الأضحى كل عام، تجد نفسها حائرة في الوقت الذي لا تمتلك فيه ثلاجة كبيرة يمكنها أن تخصصها لحفظها إلى حين موعد طلبها محشوةً أو مطبوخة، "وهذا يدفعني كل مرة لاستئجار براد لهذا الغرض وتكبد مصاريف إضافية" تعقب.

تؤمن الشابة أنها ستجد حلًا لهذه المعضلة، فهي غير مستعدة لتضييع هذه الفرصة الجيدة في ظل واقع قطاع غزة الاقتصادي المرعب، لا سيما وأنها الآن تساعد في تسديد أقساط منزل العائلة حديث البناء، مختتمةً حديثها بالقول: "أطمح للحصول على تمويل يمكنني من تخصيص مكان على سطح المنزل لإنجاز عملي دون أن أؤثر على خصوصية بيت العائلة، فأنا أحيانًا أصل الليل بالنهار لتجهيز الطلبيات، وهذا يعيق استخدامهم للمطبخ في أوقات كثيرة، خصوصًا في العيد حيث الضيافة واجبة والزوار ينتظرون".