جميزات "قاسم".. حكاية صيف الكادحين بغزة
تاريخ النشر : 2022-06-26 18:09

ما أن تنبعث خيوط الشمس معلنةً بدء يومٍ جديد، حتى يبدأ قاسم بتجهيز أدواته التي يستعين بها في جمع ثمار الجميز من أراضي قرية الفخاري جنوب شرق خان يونس.

يفتتح الشاب الذي يبلغ من العمر (27 عامًا) يومه الشاق بتسلق أشجار الجميز العملاقة، ثم التنقل بين الأغصان، وجمع الناضج منه، بغرض بيعه في السوق والاستفادة من ثمنه في توفير احتياجات عائلته.

جميزات المنطقة معروفة -وفق قاسم- بمذاق ثمارها المميز، وفوائدها العظيمة، ولهذا يوصيه عدد من كبار السن بإعطائهم الأولولية لدى قطفها بين الموسم والموسم.

ويحتوي "الجميز" على مواد وسكريات وفيتامينات هامة، ولذا يعدُّ لبنه قاتلًا للجراثيم، ومسهلًا، ومليّنًا للمعدة والأمعاء، ومعقمًا للنزلات المعوية، ومخفضًا للوزن، ولنسبة الكولسترول، والسكر في الدم، ومقويًا ومنشطًا لجهاز المناعة بسبب وجود مادة الزنك فيه.

منذ ثماني سنوات يعمل قاسم في جمع الجميز مستثمرًا شهور الصيف الثلاثة التي تثمر فيها الشجرة. يقول: "هذه الشهور الثلاثة تثمر فيها أشجار الجميز سبع بطون، كل بطن يستمر مدة 15 يومًا، لكن أحدها ثماره غير صالحة للأكل، أما البطون الباقية فتتميز بثمارها الشهية، منها ما يطلق عليه الغُزي، ويتميز بحجمه الكبير ولونه المائل للأحمر، ومذاقه الطيب، ومنه ما يسمى بالـ بلمي، وهو ذو مذاق لذيذ وحباته أصغر حجمًا".

يرتبط قاسم بشجرة الجميز منذ طفولته، حيث اعتاد مع أصحابه على تسلقها والاستمتاع بمذاقها الطيب، لكنه لم يكن يعلم أنه سيلجأ لثمارها لتكون سندًا له على منغصات الحياة وشح الرزق في قطاع غزة، فأصبحت شجرة الجميز ملجأه طوال أشهر الصيف، يقطف ثمارها ويملأ دلوه بما فاضت عليه الشجرة بعطائها.

يضيف لـ"نوى": "ساعتان أو أكثر، أتنقل فيهما من غصنٍ إلى آخر لأجمع أكبر قدر ممكن من الثمار الطيبة، لتبدأ بعد ذلك الرحلة إلى سوق خانيونس المركزي، الذي يبعد كثيرًا عن مكان سكني جنوب شرق المحافظة".

ويقطن قاسم شرق محافظة خانيونس في منطقة تسمى حي المنارة، لكنها تبعد عن الشارع العام ما يزيد على كيلو متر ونصف، يضطر قاسم أن يقطعها مشيًا على أقدامه بشكل يومي، حاملًا ثمار الجميز في دلاء بلاستيكية.

يضيف: "بعد أن أصل إلى الشارع العام، أحاول أن أستقل أي عربة يمكنها نقلي بشكل مجاني، فتارة تقلني شاحنة، وفي أخرى تراكتور زراعي، يوصلني لأقرب نقطة من سوق المدينة".

ما أن يصل قاسم لمنطقة السوق حتى يشتري بعض السلال البلاستيكية التي يقوم بتوزيع ثمار الجميز فيها، ويبدأ بعرضها في زاوية على الشارع العام.

يجلس وأمامه سلال الجميز الشهية منتظرًا بفارغ الصبر أن يتمكن من بيع كل سلاله في أسرع وقت ممكن. يردف: "كثير من الناس لا يعرفون هذه الفاكهة البعلية، باستثناء كبار السن، ومن اعتاد أن يأكلها صغيرًا. هذه الفاكهة لا تحتمل درجة الحرارة العالية، كما أنها غير قابلةٍ للتخزين لوقت طويل، ويفضل أن تؤكل مباشرة، لذا أحاول أن أبيعها خلال وقت قصير حتى لو بثمن زهيد".

غالبية زبائن قاسم من كبار السن، أو بعض الأبناء الذين يشترونه لأمهاتهم وجداتهم لأنه لين وطري يمكن تناوله بسهولة، ناهيك عن فوائده التي لا تحصى.

بالكاد يمكن لقاسم أن يشتري بعض الأشياء الضرورية بعد يوم العمل الطويل، فما يحصله نهاية اليوم لا يزيد على 30 شيكل، يشتري بها مستلزمات العائلة اليومية، لا سيما وأنها تعتمد على راتب الشؤون الذي لم يصرف منذ ما يزيد على 16 شهر.

يثق قاسم في أن هذا العمل لا يمكنه أن يغنيه أو حتى أن يساعده على تكوين نفسه، وبناء أسرة، لكنه يؤمن أنها "الجميز" شجرة معطاءة، تسد رمق عائلات وأسر لا تكاد تجد قوت يومها.

من أكثر من يزعج قاسم وأمثاله ممن يرون في ثمار الجميز منجاة من العوز، توجه بعض البلديات لاقتلاع شجراته المعمرة إما لتوسيع شارع، أو لرصف طريق، ويعلق هنا:" لو يعرفون قيمة هذه الشجرة لأبقوها وأحاطوها بأسوار حماية أيضًا، فقيمتها الغذائية والتاريخية المرتبطة بالوجود الفلسطيني كبيرة جدًا.

ويعالج الجميز أمراض الكلى والتهابات اللثة، ويعدُّ طاردًا للغازات، ومخفضًا لضغط الدم، ومنشطًا للجهاز العصبي، ويقال إن ماء أوراقه المغلية يقضي على الإمساك، وينقي الصوت، ويعالج الربو، وضيق التنفس.

 كما يزيل لبن الجميز الأبيض الأوشام والبقع الجلدية أو الصدفية. وجاء ذكر الجميز عند ابن سينا والأنطاكي وابن البيطار، وتحدث كل منهم عن علاجات مختلفة بثماره وأوراقه وزهوره أيضًا.