عبد الرحمن نجَح فهو يستندُ على كتف "جبل"
تاريخ النشر : 2022-06-19 14:48

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"قبل أن أبدأ حكايتي، أتمنّى على كل أم أن تكون أمينةً في تربية أبنائها، فصلاح الدنيا منوطٌ بإخلاص الأمهات"، ربما أرادت هدى الأزبط بهذه الكلمات القليلة أن تلخص رحلتها الطويلة "المتعبة"، و"الممزوجة بالكثير من المتعة والفخر" مع طفلها عبد الرحمن الذي ولد يعاني من مشكلات صحية.

هذه الرحلة الممتدة منذ سنوات حتى وصل ابنها "المدرسة"، كانت ممتلئة بتفاصيل زادتها عزيمة وإصرارًا وإيمانًا بقدرته على النجاح، فلم يصبها التعب يومًا حتى وهي لصيقته على مقاعد الدراسة، تحضر معه الدروس، وتدفعه للتفاعل مع أقرانه. لقد وثقت بأن عبد الرحمن سينجو ويتجاوز المحنة، وهنا كانت البداية.

حاليًا، عبد الرحمن عيسى الأزبط في العام السابع من عمره، وكان قد ولد وهو يعاني من نقص أكسجين سبب له خللًا في التوازن وضعف العضلات، ومشكلات في النطق، وبحسب هدى فإن جدته اكتشفت مرضه وهو بعمر أربعة أشهر، حينما كانت تحاول مساعدته للوقوف على قدميه فلم يستجب.

ولد عبد الرحمن ولادة طبيعية، ولم تكن هدى تعاني في فترة الحمل من أي مشكلات نفسية أو جسدية. تقول لـ"نوى": "طلبت مني جدته عرضه على الطبيب، فقلت لها إنه صغير ورقيق، فلنتمهل قليلًا، لكنه عندما وصل إلى مرحلة الزحف، وركوب دراجة المشي، كان لا يؤتي أي حركةٍ بقدميه، وهنا بدأتُ أتجرع الحقيقة".

رحلة شاقة تنقلت خلالها بين عيادات الأطباء، ومراكز العلاج الطبيعي، وفي كل مرة كان الشخيص مختلفًا

منذ تلك اللحظة، بدأت رحلة هدى مع عبد الرحمن.. رحلة شاقة تنقلت خلالها بين عيادات الأطباء، ومراكز العلاج الطبيعي، وفي كل مرة كان الشخيص مختلفًا، ومع كل تشخيصٍ كانت المعاناة تكبر والخوف يشتد.

توالت فصول هذه الرحلة الشاقة سنواتٍ عدة، حتى وصلت إلى محطة التسجيل في المدرسة الابتدائية، وجميع من حول هدى كانوا يؤكدون لها أنه لن يتمكن من الدراسة في مدرسةٍ عادية، وأن من الأفضل تسجيله في مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

قال بعض من حولها: "إنه يحتاج إلى عنايةٍ فائقة ومرافقة شخصية دائمة، فإما أن يبقى في البيت، أو يسجل في مدرسة للحالات الخاصة"، وبعد صراع داخلي مصحوبٍ بالكثير من الأسئلة التي دارت في عقل هدى، سألت نفسها: "هل يبقى بجانبي وأمام ناظري ويكون في مأمن، وفي المقابل يبقى جاهلًا، وبعيدًا عن الاحتكاك المجتمعي؟ أو أرسله لمدرسة خاصة؟".

الخياران كان أحلاهما مر في نظر هدى، لكن السيدة، ولأن لها من اسمها نصيب، فقد اهتدت إلى الخيار الأفضل لطفلها، واتخذت قرارًا تصفه بأنه كان "صعبًا للغاية"، "لكنه صائب جدًا" تستدرك.

أن تكون مرافقةً شخصيةً لعبد الرحمن في مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، التي سجّلته بها، وكل طلبتها أصحاء.. هذا ما حدث بالفعل، وهذا ما وجدت له دعمًا عظيمًا من قبل المديرة والمعلمات على حدٍ سواء.

ولهدى أربعة أبناء، أصغرهم عبد الرحمن. تقول: "إن تعاون زوجي، وأسرتي معي في الأعباء والمسؤوليات المنزلية، كان عامل نجاح  كبيرٍ في رحلتي مع عبد الرحمن، هذه الرحلة التي استنزفت الكثير من وقتي وجهدي على مدار عامٍ كامل".

طوال العام الدراسي، كانت هدى ترافق عبد الرحمن في رحلته اليومية إلى المدرسة، وتجلس إلى جواره في الفصل.. جهد جبار استحقت بفضله أن تصفها المدرسة "بالأم المثالية العظيمة".

تضيف السيدة لـ "نوى": "أشعروني بأنني ملكة، وكان عبد الرحمن محبوبًا ومدللًا.. هو مميز حتى لدى أبناء صفه، فالكل يريد الإمساك بيده لمساعدته. يختارونه باستمرار كنجم الأسبوع، ويتشاجرون ليجلسوا إلى جانبه في فترة الاستراحة".

كانت هدى تحرص في بادئ الأمر على اندماج عبد الرحمن فقط مع الطلبة، من دون تركيز على تحصيله في القراءة والكتابة.. تمسك بيده دائمًا حتى لا يشعر بأي فرق بينه وبين أصدقائه في الفصل..

ومرت الأيام، وقررت هدى أن تترك له المجال ليمسك القلم وحده ويبدأ بالكتابة، وكانت المفاجأة السعيدة لهدى، التي أيقنت لحظتها أن "تعبها لم يذهب سدى". أمسك عبد الرحمن القلم، وكانت كتابته تدل على فهمه وحفظه للحروف.. لم يكن الخط مفهومًا في البداية، لكن هدى أيقنت أن لدى عبد الرحمن من الذكاء، ما يستحق مواصلة رحلتها معه حتى النجاح.

الآن، والحديث لهدى، "يمسك عبد الرحمن بالقلم لوحده، ويكتب الإملاء، ويحفظ الحروف، ويضبطها ضبطًا صحيحًا، ويستطيع تهجئة الكلمات تهجئةً سليمة، "وفي أوراق العمل والتدريبات الاختبارية أبتعد عنه حتى يتم تقييمه بشكل عادل من قبل المدرسة" تعقب.

وبكثيرٍ من الفخر والسعادة، تقول هدى: "هو الآن يبهرني بعقله وذكائه، لم أكن لأكتشف هذا الذكاء لولا أن هداني الله لخيار تسجيله في المدرسة".. واستنادًا إلى تجربتها، تُسدي هدى هذه النصيحة لكل أبوين: "لا تدعوا أحدًا يحكم على أبنائكم، أنتم أطباؤهم، وهم رأس المال. هم وظيفتكم الأولى في هذه الحياة فأخلصوا فيها الغرس".