كتلةٌ إسمنتية تبتلعُ غزة!
تاريخ النشر : 2022-06-16 14:57

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تبدو ملامح التعب واضحةً على وجه المُزارع توفيق النباري. الرجل الذي يبلغ من العمر (66 عامًا) انتهى لتوه -وبعد خمسة أيام- من قص نحو 40 شجرة زيتون كانت تنتشر على مساحة ثلاثة دونمات يمتلكها شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، من أجل إنشاء مزرعةٍ للدواجن.

في التفاصيل، لدى النباري ابنٌ متعطلٌ عن العمل مثل 317 ألف شاب في قطاع غزة (74% من شباب القطاع، وفق آخر إحصائية لوزارة العمل والجهاز المركزي للإحصاء)، قرر أن يساعده بتحويل الأرض المزروعة بالزيتون إلى مزرعة دواجن، لعله يستطيع الزواج، وتأمين مستقبله، في ظل غياب فرص العمل.

لم يكن النباري ليتسغني عن "زيتوناته" التي تكبّد عناء رعايتها لسنين، لولا ضيق الحال الذي أفرزه الحصار.

ولعل النباري لم يكن ليتسغني عن "زيتوناته" التي تكبّد عناء رعايتها لسنين طويلة، لولا ضيق الحال الذي أفرزه الحصار الإسرائيلي الجاثم على صدر القطاع منذ خمسة عشر عامًا ونيف، وأيضًا حاجة الزيتون إلى ميزانيةٍ خاصة لا يمتلكها فعليًا، لا سيما فيما يتعلق بمحاربة الآفات التي يمكن أن تضرب الشجر قبل موسم القطاف.

يقول لـ"نوى": "حتى إتمام المشروع الجديد (مزرعة الدواجن) يحتاج إلى مبلغٍ كبير، وقد اضطررت لبيع جذوع الزيتونات كحطب من أجل توفير جزء منه".

وعلى ما يبدو، فإن إحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، الذي يوافق السابع عشر من حزيران/ يونيو من كل عام، لن يشمل غزة، التي باتت تكتظ بالمباني المتلاصقة التي أقيم معظمها على أراضٍ زراعية خصبة، لتكفي أكثر من مليوني إنسان، محاصرين في بقعةٍ لا تتجاوز مساحتها 365 كيلو مترًا مربعًا.

لدينا هنا رائد عبد العال (50 عامًا)، الحطّاب الذي يبحث في المناطق الشجرية عن من يريد  قطع أشجاره، ليشتري أخشابها منه، ثم يعرضها في محطبته في سوق "فراس" أحد أقدم الأسواق بغزة.

يخبرنا أن معظم الأشجار التي يقوم بقصّها تتركز في فصل الصيف، حيث يتم تجهيزها وتحويلها إلى حطب، استعدادًا لبيعها في فصل الشتاء، "وذلك بسبب الإقبال الكبير من قبل المواطنين عليها، واستخدامها في التدفئة، لا سيما مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي".

ويقول: "كان المواطنون قديمًا يرفضون تمامًا قطع أشجارهم، أما اليوم، وفي ظل الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، فإن قطع الأشجار بات سِمةً دارجة، لا سيما في المناطق الزراعية التي باتت وجهةً للمشاريع العُمرانية، والمنشآت الاقتصادية".

ويتوقع عبد العال اختفاء نسبة كبيرة من أشجار قطاع غزة، خلال العقود الثلاثة القادمة، في ظل استخدامها بصورة يومية، ويعلق بالقول: "وقد يتحول القطاع إلى كتلة إسمنتية خالية من الغطاء النباتي".

وفي السياق، يُعرّف رئيس قسم البستنة الشجرية بوزارة الزراعة بغزة، المهندس محمد أبو عودة، التصحر، بأنه تدهورٌ في مساحات الأراضي الزراعية، وتراجع خصوبة التربة بفعل التغيرات المناخية، والنشاطات البشرية، بما يقود إلى ظروف تشبه ظروف الصحاري.

وأوضح أبو عودة أن من أكثر العوامل التي تحارب القطاع الزراعي في غزة وتؤدي إلى التصحر، غزو الكتل الخرسانية (الزحف العمراني) للمناطق الزراعية، مشيرًا إلى أن ما أسماه بـ"تفتت الملكية"، أدى إلى هجر الناس لأراضيهم الزراعية، والتوجه نحو المشاريع العمرانية ذات العائد المادي، حيث يرون أنه أفضل من الزراعة مع ارتفاع التكاليف الباهظة للعناية بالأشجار.

ولفت إلى أن بعض المواطنين يلجأون إلى بيع أراضيهم الزراعية بسبب ارتفاع أسعارها لصالح إقامة المشاريع السياحية عليها، مؤكدًا أن كل هذه العوامل لها أثرٌ سلبي على القطاع الزراعي، وذلك ينعكس بشكل كبير على موضوع التصحر.

وأضاف: "بعض الأراضي نقصت نسبة جودتها وخصوبتها كثيرًا عن ما كانت عليه مسبقًا، وذلك بسبب الكميات الكبيرة من الصواريخ والقذائف التي طالتها خلال العدوانات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة".

ليس ذلك وحسب، فاعتداءات الاحتلال المتواصلة -والحديث لأبو عودة- أدت إلى تلوثٍ شامل، سواء في التربة، أو في المياه الجوفية التي يتم الري بها، فأصبحت التربة غير صالحة لنمو النباتات، وإن نمت فيكون إنتاجها ضعيفًا جدًا مع ظهور أمراض جديدة في الأشجار.