غزة:
بصوتها المرتجف، وكلماتها التي بالكاد اتّصلت حروفها، قالت لـ "نوى": "تُمطِرنا الكلمات الجارحة، وتقتلنا نظرات الانتقاص والشفقة، نحن ذوات الإعاقة نعاني من تنمّر يصل أحيانًا إلى حد السخرية والإهانة بينما ذنبنا الوحيد أننا ولدنا بظروفٍ جسديةٍ مختلفة".
ولدت آيات -اسم مستعار- مصابةً بالشلل الدماغي، الذي سبّب لها صعوبة شديدة بالنطق والحركة، إلا أنها تمكنت من تحدّي الواقع، وإكمال تعليمها لتتخرج من تخصص التربية الخاصة، وتكمل الدبلوم في مجال تصميم الجرافيك.
وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى أن عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، بلغ 127962، منهم 72425 ذكرًا، و55537 أنثى، يعانون صعوبةً شديدة في تلقي الخدمات؛ ناهيك عن غياب مواءمة المرافق العامة لهم.
تضيف الشابة التي تبلغ من العمر (28 عامًا)، وتسكن مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة: "نتعرض للعنف اللفظي، والتنمر، سواءً في الشارع أو الجامعة حيثُ درست تخصصًا من أهم مميزاته مراعاة ظروف ذوي وذوات الإعاقة، إلا أنني كنت أفاجأ بزميلاتي يضحكن عليَّ أكثر من مرة بسبب صعوبة قدرتي على النطق".
"معاقة، معاقة" هكذا ناداها الأطفال ذات يوم وهي تقطع الشارع، و"أتبعوها بنوبات من الضحك والسخرية، إلى حدّ أن أحدهم رشقني بالحجارة أيضًا" تضيف، فالمشية التي تسببت بها إصابتها بالشلل، تجعلها تتأرجح أثناء السير، ناهيكم عن عدم قدرتها على النطق بالشكل السليم.
اقرأ/ي أيضًا:صوت المطر.. عندما يضغط على جرح "المواءمة"
الأقسى من ذلك، أن آيات لا تستطيع الشكوى لأهلها، "فهذا سيزيد حزنهم، ولن يسهم في حل مشكلتها أيضًا"، وهنا تحمل الأهالي مسؤولية تصرفات أبنائهم، وطريقة تعاملهم مع ذوي وذوات الإعاقة، "فلو كانت تربيتهم سليمة، وقائمة على التوعية باحترام الآخرين مهما كان شكلهم أو ظروفهم، لما حدث لنا ما يحدث الآن (..) لكنني ما زلت أملك الأمل في إمكانية أن تؤدي جلسات التوعية المستمرة، والحملات الإعلامية المستمرة، لتغيير النظرة لنا" تردف.
أما نداء (37 عامًأ)، وهي أيضًا من مدينة خانيونس، فهي تعاني من قصر القامة، ناهيكم عن إعاقة حركية وسمعية جزئية، وهذا الواقع عرّضها للكثير من المعاناة، بسبب عدم مواءمة المرافق العامة لذوات وذوي الإعاقة، ناهيك عن المعاناة المستمرة من التنمر والعنف اللفظي.
تقول لـ "نوى": "مشكلتي مع العنف اللفظي والتنمر بدأت منذ كنت طفلة، حين كان من هم في مثل سني يسخرون من قصر قامتي، ويصفونني بمفردات جارحة مثل قزمة أو قُزعة، كل هذا أصابني بالإحباط منذ الصغر".
وتكمل: "الصغار لا يعرفون الأثر النفسي الناتج عن مفرداتهم، هم لا يفقهون أن ما قالوه لي رافقني حتى حين كبرت ودخلت الجامعة وتعاملت مع المجتمع، البعض يطلق هذه المفردات عليّ أحيانًا بدعوى المزاح، ويظن أن صمتي وابتسامتي نابع من الرضا والقبول"، متساءلةً: "ما هذا المزاح المدمر نفسيًا؟ ما هذا المزاح الجارح؟".
وتزيد: "من قال أن هذه الكلمات لا تؤذي مشاعرنا؟ من قال أنها لا تتسبب في انسحابنا من المجتمع؟"، مشيرةً إلى حادثةٍ مرّت بها ذات سنة "عندما توقفت عن الخروج من البيت، وفضّلت الانزواء فيه كي أحمي نفسي من كل هذا الأذى (..) كنتُ أبكي، وأصاب بالإحباط، والاكتئاب، وفي النهاية فكرتُ بأن هذا ليس حلًا، وأن عليّ الخروج ومواجهة الواقع".
تحمل نداء شهادتين، لكنها ما زالت تعمل في إحدى المدارس مقابل بدل مواصلات، وهنا تتساءل: "لماذا لا نحصل على حقوقنا؟ لماذا لا يجعلون حياتنا أسهل؟".
وتوصي الشابة بضرورة استثمار مواقع التواصل الاجتماعي في التوعية بضرورة وقف العنف اللفظي ضد الجميع، والنساء على وجه الخصوص، وذوات الإعاقة منهن تحديدًا "فهن أكثر من يتعرضن للتنمر"، مناديةً بمزيدٍ من الاهتمام الإعلامي بعرض قصص نجاح لهن (تقصد ذوات الإعاقة) "فهذا من شأنه أن ينبه المجتمع لضرورة تغيير نظرته النمطية".
اقرأ/ي أيضًا:في اليوم العالمي لذوي الإعاقة: "نحنا مش بخير"
بدورها، تقول الشابة سوزان العمصي الناشطة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: "إن الكثير من ذوي وذوات الإعاقة يتعرضون للعنف اللفظي في الحيز الخاص والعام، وللأسف فإن نظرة المجتمع السلبية تتسبب في توجيه الكثير من المفردات الجارحة لهن، مثل "شوف هاي المعاقة"، أو شوف هاي القزم"، وغيرها من المفردات التي تأتي على لسان الناس بقصد أو دون قصد، وكلها تسبب الأذى النفسي للفتيات، وتزيد من التحديات التي يواجهنها.
وأرجعت العمصي السبب في استمرار هذه الظاهرة إلى قلة الوعي من ناحية، وقلة التمكين الاقتصادي لذوات الإعاقة من جهة أخرى، "فالفتاة العاملة ستكون ظروفها مختلفة نسبيًا"، إضافة إلى انعكاسات الانقسام الفلسطيني التي نتج عنها قلة القدرة على تطوير البيئة المحيطة بذوات الإعاقة في قطاع غزة.
وبالنسبة لسوزان التي تعاني من إعاقة حركية أيضًا، فكثيرًا ما تم توجيه مفردات جارحة لها، لكنها تحاول استيعاب الناس من أجل تصحيح المفاهيم، استنادًا لإدراكها بأنه: "ليس الجميع يمتلكون الوعي الكافي".
الأقسى، أن غالبية الفتيات لا يتمكّن من الحديث عما تعرضن له من عنف لفظي، خوفًا على مشاعر ذويهن، وأيضًا لأننا مجتمع محافظ تتقيد الفتيات فيه بما يمكن أن يصرحن به، "ولكن في الجلسات وورشات العمل الخاصة يتحدثن عن ذلك" تقول سوزان، موصيةً بضرورة زيادة الأنشطة التوعوية التي تساهم في لفت نظر الناس إلى هذا النوع من العنف بما يساهم في وضع حد له.