"عليكم جيرة".. حرّاس الموروث الغذائي صامدون في "الجلمة"
تاريخ النشر : 2022-03-10 13:43

غزة- جنين/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تعرج بقدميك إلى الأراضي الزراعية في قرية الجلمة المشرفة على مرج ابن عامر شمال جنين، فتسمع أبيات الزجل تتراقص من أفواه من تقابلهم هناك، والكثير من الأمثال الشعبية، والأهازيج التي تجذبك تلقائيًا للانضمام إلى حلقات المزارعين الذين يسرقون من الوقت  بضع دقائق للراحة.

هناك ستجد من يُخبرك بأصل المنتج الزراعي، والأطباق التي تُحضّر منه، واقترانها بالتاريخ الفلسطيني؛ وهذا ما دفع  مؤسسة "شغف" للتعبير الرقمي، بدعمٍ من "مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية"، وتمويلٍ مشترك بين مؤسسة عبد المحسن القطّان، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، إلى إطلاق مشروع "عليكم جيرة" في تلك المنطقة، أواخر عام 2021م.

وتقوم جولات المناصرة هناك، على زيارة القرية من قبل مجموعة من الفنانين والمدوِّنين، والتعرف على تقنيات الزراعة التقليدية والمتطورة هناك، بالإضافة إلى الاحتفال بالمواسم الزراعية المختلفة.

تلك الجولات، تنتظرها المزارعة الفلسطينية منار شعبان  بفارغ الصبر، فهي صاحبة "بيت القرعيات"، التي تسارع عند زيارة المجموعة لقريتها باستقبالهم بما حددته الباحثة في الموروث الغذائي الفلسطيني شيماء  حمد  من الأطباق المختلفة تبعًا للموسم الزراعي الآني.

في موسم القرعيات، قدّمت منار قائمةً طويلةً من الطعام، كشوربة القرع والعدس، والقرع المجفف، والزلابية مع القرع، بل إنها استخدمت القرع كإناءٍ للطهي، إذ طهت بقرعةٍ كبيرة الكبسة،  وهذا أسلوبٌ للطهي كان يستخدمه أهل القرية قديمًا.

ولعل ما يُبهج قلب "منار" في تلك الجولات، أنها تجد النساء الطاعنات في السن يرددن الموروث الثقافي عن المواسم الزراعية، فهن يحفظنه في ذاكرتهن ويحمينه من النسيان.

تهتم منار بمتابعة ما يقدمه الفنانون والمهتمون بالزراعة والتراث الزراعي، وبالأخص الممارسات الصديقة للبيئة في القري الفلسطينية، "التي تضمن استدامة الأرض، وتوفير الموارد، وغنى المحاصيل الزراعية"، مشيرةً إلى أن الحالة الاحتفالية للموسم الزراعي، تتمثل في إقامة مائدةٍ تحتضن بين جنباتها أطباقًا من الإنتاج الزراعي الخاص بالموسم.

حكايا الموروث الغذائي

ويتشارك النشطاء مع المزارعين خلال جولاتهم في القرية، تسليط الضوء على المشكلات التي يُعانون منها، خاصةً المتعلقة بمضايقات الاحتلال، ومحاولة فرض سيطرته الكاملة على الحركة الزراعية في الجملة، من خلال التحكم في المياه الخاصة بالزراعة، ورفع تكلفة الإنتاج الزراعي برفع سعر البذور، وإجبار المزارعين على شرائها من الأراضي في الداخل الفلسطيني المحتل.

وفي هذا يقول الباحث حمزة العقرباوي، وهو ضمن فريق "عليكم الجيرة": "تهدف هذه الجولات إلى مناصرة أهل الجلمة،  والعمل على حماية الموروث الغذائي الفلسطيني بتاريخه ونكهته التراثية الأصيلة"، موضحًا أن المعلومات التي يتم تضمينها ضمن المبادرة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتراث الزراعي التقليدي، بما يُحقق تكوين صورةٍ معرفيةٍ للنشطاء من أهل القرية وغيرهم، والتعريف بالقرية وموروثها الثقافي، كالحداء، والأهازيج الشعبية الخاصة بالزراعة، واستكشاف وتوثيق الموروث الغذائي.

العقرباوي: الاحتفال بموسم البقوليات كان بتزيين المائدة بأطباقٍ متنوعة كمقلوبة الفول، ونقارش الفول المحمصة على النار، و الفول بالبيض، وغير ذلك

ويضرب العقرباوي -وهو مهتم بجمع الموروث الشعبي في فلسطين-  مثلًا بموسم الورقيات، إذ أنتج بأسلوبه القائم على الحكاية عددًا من القصص عن الخبيزة، والخس، وغيرها من المحاصيل الورقية الخضراء، وبيّن أن الاحتفال بموسم البقوليات كان بتزيين المائدة الاحتفالية بأطباقٍ متنوعة منها، "كمقلوبة الفول المعروفة بـ "الربيعية"، فضلًا عن استخدام الفول كنقارش بعد شيّه وتحميصه على النار، كما تزينت المائدة بأطباق الفول بالبيض، وغيرها".

ممارسات صديقة للبيئة

ولم يكن اختيار قرية الجلمة في جنين، القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة عام 1948م اختيارًا عشوائيًا عفويًا، فمن يعرف جغرافيا القرية، يُدرك تمامًا أنها بمثابة بحرٍ أخضر، تتنوع فيها الزراعات المختلفة ما بين قرعيات، وورقيات، وبقوليات، بالإضافة لبعض الخضراوات الأخرى، وذلك نتيجة خصوبة أراضيها الواقعة في سهل مرج ابن عامر.

تقول "شيماء حمد" من فريق "عليكم الجيرة": "نحاول توثيق حقوق الملكية الفكرية للمطبخ الفلسطيني وهويته، في سبيل الحفاظ على الوجود الفلسطيني في المطبخ العربي والعالمي، بالإضافة لتنشيط السياحة الداخلية للمنطقة، والعمل على تقديم المناصرة الرقمية للمزارعين، والمساعدة في إنتاج أعمالٍ فنية، تُسلط الضوء على الموروث الغذائي الفلسطيني".

و يهتم المزارعون في الجلمة باستخدام تقنيات زراعية وممارسات صديقة للبيئة تقوم على الزراعة العضوية، وتقليل استخدام المواد الكيماوية في إنتاج المحاصيل، الأمر الذي يجعل الزراعة أكثر نجاعًة في الحفاظ على خصوبة التربة واستمرارها في العطاء، وفقًا لحمد -وهي محامية وباحثة مهتمة بالتعريف بالموروث الغذائي الفلسطيني.

ومن بين أساليب مكافحة الآفات الزراعية التي يستخدمها المزارعون في الجلمة "الثوم"، الذي يعده مزارعوها مضادًا حيويًا طبيعيًا للآفات الزراعية التي تُصاحب إنتاج محصول الكوسا على سبيل المثال، إذ يقومون بشك حبات الكوسا بفصوص الثوم عبر إبرة لتقوم بعملية حمايتها من الميكروبات والآفات الزراعية المختلفة.