ذيل "إسرائيل" يلفُّ أعناق مزارعي المناطق (C)
تاريخ النشر : 2022-01-13 14:45

نابلس:

لم تتمكن المُزارعة الفلسطينية يُسرى عوض من قرية "بيتا" الواقعة شرقي مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، من الوصول إلى أرضها الزراعية الواقعة على قمة جبل صبيح منذ عام تقريبًا، بسبب اعتداءات جنود الاحتلال ومستوطنيه المستمرة هناك.

تقول السيدة التي تمتلك دونمين مزروعَين بالزعتر لـ "نوى": "أعتمد منذ سنوات على ما يقدمه اتحاد لجان العمل الزراعي من مشاريع زراعية، عبر جميعة "بيتا" النسوية، لكن للأسف أُبلغنا قبل عدة أيام بتوقف الدعم بقرارٍ من المُموِّل".

وقررت الحكومة الهولندية وقف الدعم المالي لاتحاد لجان العمل الزراعي، الذي ينفذ العديد من المشاريع في الأراضي الفلسطينية المصنفة (c) وفقًا لاتفاقية "أوسلو"؛ كأحد ست مؤسساتٍ صنفتها حكومة الاحتلال بأمر عسكري أصدره وزير جيشها في نوفمبر الماضي "إرهابية"، بالاستناد إلى أنظمة الطوارئ التي صدرت إبّان الانتداب البريطاني لعام 1945م.

ولأول مرة –وفقًا لمراقبين- تنهي حكومةٌ مانحة تمويلها للمجتمع المدني الفلسطيني على أساس شروطٍ سياسة، الأمر الذي يتناقض مع التوجه الدولي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، بالسيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

معاناةٌ شبيهة يعيشها المزارع الشاب غسان النجار (32 عامًا)، الذي كان يتجوّل وسط محاصيل الكوسا، والسبانخ، والطماطم، في أرضه الزراعية الواقعة في قرية "بورين" جنوب نابلس، وسط مخاوف مما يحمله المستقبل في ظل تواصل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه هناك.

يقول النجار لـ"نوى": "نتعرض داخل أراضينا لاعتداءاتٍ بالضرب من قبل المستوطنين، وتُحرق أشجارنا، وتُجرّف التربة، وكل ذلك بحمايةٍ من سلطات الاحتلال، التي تهدف إلى منعنا من دخول أراضينا كونها تقع في مناطق C".

ووفقًا لقانون أملاك الغائبين "العثماني"، فإن من لا يدخل أرضه مدة خمس سنوات، فإنه يمهد لانتقال ملكيتها لجمعيات المستوطنين "وهذا ما يسعى إليه المستوطنون باعتداءاتهم علينا" يعقب.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في قرية "بورين" 28 ألف دونم، يسيطر الاحتلال على أكثر من 65% من أراضيها التي تحيط بها ثلاث مستوطنات، يسكنها أكثر المستوطنين الإسرائيليين تطرفًا وهي: " يتسهار" جنوب القرية، و"براخا" في شمالها، و"جفعات رونيم" شرقًا، إلى جانب معسكر "حوار" العسكري المقام على نحو  500 دونم من أراضي القرية.

يتحدث النجار عن معاناته وزملائه من المزارعين، إذ يمنعهم الاحتلال من أي تطوير يخدم أراضيهم مثل شقّ الطرق، أو مدّ شبكات المياه، "وهذا جعلنا نعتمد لسنوات على الدعم الذي يقدّمه اتحاد لجان العمل الزراعي عبر التمويل الهولندي".

يزيد: "كان الاتحاد يوفر لنا إمكانيات الزراعة والحصاد بالتعاون مع المتطوعين، وهو ما يسهم في حماية أراضينا من المصادرة (..) قرار هولندا وقف تمويل مشاريعها الزراعية، كان حقًا صدمة".

وأعلنت هولندا وقف تمويل الاتحاد، بسبب ما أسمته "صلات فردية" تربط بينها وبين "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، التي يصنّفها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة كـ"منظمة إرهابية".

يقول النجار: "هذا ينذر بخطورة على المزارعين الذين بدأوا التفكير في بدائل كإنشاء صناديق تعاونية على سبيل المثال"، داعيًا السلطة الفلسطينية للتحرك السريع من أجل دعم المزارعين "فليس من المعقول في هذا الوضع الخطير، أن لا تزيد موازنة وزارة الزراعة عن 1.5%" يعلق.

وفور صدور القرار الهولندي، أعرب الاتحاد عن "صدمته" و"حزنه"، مؤكّدًا أنّ التحقيق معه "منذ البداية، كان مدفوعًا باعتبارات سياسية"، في الوقت الذي سارعت فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الترحيب بالقرار.

بدورها طالبت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، الاتحاد الأوروبي، بالضغط على الحكومة الهولندية من أجل التراجع عن قرارها بوقف تمويل اتحاد لجان العمل الزراعي، "وعدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي".

وأكدت الهيئة التنسيقية للشبكة خلال لقائها بمدير مكتب الاتحاد الأوروبي بغزة، أيمن فتيحة، أن "القرار الهولندي، ليس سوى استجابة لحملة التحريض الإسرائيلية، ضد منظمات المجتمع المدني الفلسطيني"، واصفةً ذلك بالانتهاك الفاضح للمواثيق والمعاهدات الدولية، والحق في تشكيل الجمعيات، واستقلالية عملها.

بدوره، قال مسؤول الضغط والمناصرة في اتحاد لجان العمل الزراعي مؤيد بشارات لـ "نوى": "منذ إغلاق الاحتلال لمقراتنا عام 2019م، توجهنا للقضاء الإسرائيلي، لكن موقفنا كان ضعيفًا كون الاحتلال الذي أصدر القرار، منحنا أسبوعين فقط للاعتراض".

لكن الموضوع (والحديث لبشارات) تمت متابعته عبر حملات الضغط والمناصرة، "وهذا كان واضحًا في بيانات الاستنكار التي أصدرتها المؤسسات المحلية والشريكة".

ويوضح أن هولندا أوقفت عام 2019م تمويلها لمشاريع كانت تنفّذها في الأراضي الزراعية المصنفة (c)، وقررت إرسال بعثة تحقيقٍ تأجلت عام 2020م بسبب جائحة كورونا، واستأنفت عملها عام 2021م.

ووفقًا لبشارات، إن اللجنة التي دققت البيانات المالية والإدارية للاتحاد، أثبتت دقتها، وعدم صلة إدارته بأي جهات خارجية، "لكنها ربطت بين انتماءات شخصية لأفراد بالجبهة الشعبية -رغم وجود اتفاق قبل التحقيق بأن يكون مهنيًا- وأن لا يمس حريات الأفراد وحقوقهم التي تكفلها كافة القوانين الدولية".

قرار هولندا وقف تمويلها، جاء مخيبًا لآمال الاتحاد، الذي رأى فيه انحيازًا للاحتلال، "فالمتضرر من وقف المشاريع هم المزارعين والمزارعات، كون الاتحاد يعتمد على التمويل الهولندي في 45% من موازنته، ويذهب ما نسبته 91% منها لصالح الأراضي الزراعية، ومشاريع الري، وشق الطرق، والحصاد، والدعم الزراعي".

وختم بشارات بقوله: "إن الاتحاد سيلجأ لاحقًا لتعويض هذا الخلل عبر التمويل العربي، بالإضافة إلى تقديم شكوى دولية ضد هولندا، التي تمنح بقرارها الضوء الأخضر للاحتلال لاستهداف الاتحاد والعاملين فيه".

وعلى الرغم من أن التقرير الهولندي لم يُصنّف الاتحاد منظمةً إرهابية، إلا أنه أوقف التمويل تماشيًا مع ما يريده الاحتلال الإسرائيلي.

وتقول المحللة السياسية د.أماني القرم في مقالٍ لها بهذا الخصوص: "لا يمكن تبرير القرار الهولندي بمعزلٍ عن الأذرع الإسرائيلية والصهيونية في هولندا، فعلاقة "إسرائيل" ‏بهولندا تاريخية، وربّما أبرز ملامحها ما تبع تعرض اليهود من اضطهادٍ إبّان المحرقة ‏النازية، من توظيفٍ إسرائيلي/صهيوني شديد الفعالية لهذه الأحداث، من أجل استقطاب مكونات ‏المجتمع الهولندي، ورموزه السياسية.

وتابعت: "إن الجالية اليهودية في أمستردام، تعد من أكبر التجمعات نفوذًا وثراءً في أوروبا، وتدين لـ "إسرائيل" بالولاء التام، وتمتلك عددًا من المؤسسات القوية إعلاميًّا، وماليًّا، وشعبيًّا، تدعم من خلالها اليمينية الإسرائيلية بشكل مطلق".

إن حرب "إسرائيل" التي بدأت فعليًا على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني –والحديث للقرم- لن تتوقف محليًّا وعالميًا، حتى تتخلص من الدور الذي تؤديه هذه المنظمات في الداخل الفلسطيني من دعم ‏للصمود، وكشف للحقائق، وفي الخارج من توطيدٍ للعلاقات الفلسطينية، ونشرٍ للقضية في العالم".‏