"منتجات بشعة".. الفنُّ يحتجُّ على انتهاك حرية التنقل
تاريخ النشر : 2022-01-03 17:23

"منتجاتٌ بشعة"، عنوان مشروعٍ فنيٍ اقتطع من عمر صاحبه عامين كاملين حتى خرج إلى النور على صورة "حقيقة مبكية"! مجسّماتٌ لمنتجاتٍ تستخدمها "إسرائيل" في الحد من حرية التنقل، وتروّج لها في الأسواق العالمية، خطفت الضوء في مشروعٍ موله صندوق الثقافة الفلسطيني برام الله، بألوانها الرمادية.. تلك التي تشبه بقتامتها "عتمة العيش تحت احتلال".

الفنان محمد أبو سل أراد أن يحلق خارج الصندوق، فبحث عن أفكارٍ تعكس همومًا يتشارك فيها الإنسان في أكثر من مكان، لا فقط على نطاق قطاع غزة، أو فلسطين وحسب.

حجم الانتهاكات الإسرائيلية للحق في التنقل أوقدت شرارة الفكرة، وذلك الشعور بأن "الإنسان" بات فأر تجارب لعنجهية الأنظمة الحاكمة، كان المحرّك الأول باتجاه الاحتجاج على ما تظنه الأنظمة الحاكمة "حقًا" ولو على حساب حقوق الإنسان وخصوصيته.

9 مجسمات للمنتجات البشعة، تمثلت في "أجهزة فحص الحقائب، وطائرات الاستطلاع، والبلدوزر المخصص لهدم وسحق المنازل، وجدار الفصل العنصري الذي يعدُّ مخزنًا للسكان، ونموذجٌ لقنبلةٍ فتّاكة،  وجهاز فحص الأفراد، وجهاز المسح الإشعاعي الذي لا يستثني أي إنسان؛ حتى المرضى، ولا يمكن التخلص من آثاره حتى 40 يومًا، بالإضافة إلى أقفال المدن، والحواجز الصفراء العملاقة التي تغلق المدن من خلالها، والممرات الشائكة التي تربط بين الحلابة والحاجز، ويوجد مثلها عند حاجز (بيت حانون- إيرز) شمال الضفة الغربية، وأيضًا في الكثير من مدن الضفة.

إضافة إلى ذلك، مجسمٌ لعمود مليء بكاميرات المراقبة، كل كاميرا  تسلم الثانية، وقد طُبق مثله في الخليل والقدس، واليوم يطبق في يافا وحيفا، فيشعر المواطن أن أسطولًا من المراقبين يسعون خلفه.

عمليات البحث المتواصلة التي أجراها أبو سل، كشفت أن هذه المنتجات باتت تشكل هاجسًا كبيرًا لدى المواطنين في كل مكان، لدرجة أنها صارت تبعدهم عن ممارسة حقهم في التنقل تجنبًا لما يمكن أن يتعرضوا له من انتهاكات.

وللفنان أبو سل –وفق من يعرف فنّه- منهجية خاصة، إذ يحرص على التعبير عن الهموم الإنسانية بعملٍ بصري يمكن قراءته وقبوله.

وبرغم أن الاسم حمل مصطلح "بشع"، إلا أنه لم يشكل هاجسًا لدى الفنان، كونه استلهم العمل كله من مساحةٍ بشعة في حياة الإنسانية، خالية من أي مفهومٍ جمالي.. "ولهذا كانت الألوان المستخدمة رمادية وسوداء".

ويأتي مشروع "منتجات بشعة" استكمالًا للسياق الذي يعمل ضمن إطاره الفنان أبو سل، إذ سبق له العمل على مشاريع فنية تحاكي هموم الإنسان عمومًا، والفلسطينيين على وجه الخصوص، "مشروع ضياع حق السكن ديموغرافيًا في غزة على سبيل المثال".

ويؤمن أبو سل أن الفن غير مرتبط فقط  بإظهار الجوانب الجمالية للحياة من حولنا، ما جعله يحاول النبش في  قضايا تطرح للمرة الأولى، وهذا ما يراه تميزًا في اختيار الموضوعات.

استخدم الفنان أبو سل في مشروعه الفني الذي أراد له أن يكون محرجًا للحكومات كافة، وجوهًا غير مألوفة، "لأن استخدام وجوه فلسطينية هو أمر مألوف بجانب الجدار، أو على الحاجز، ولهذا قررت جلب أشخاص مرفّهين من عالم جميل إلى عالمٍ بشعٍ ومؤلم" يقول.

ولصعوبة إحضار ممثلين أجانب للاستعانة بهم، اختار أبو سل دميةً يتم تصنيع نسخة واحدة منها، لها اسم، وشهادة ميلاد، وبطاقة هوية، ومكياج خاص، وثياب مشابهة لملابس "جولييت"، ووجه أقرب للحقيقة.

عمل أبو سل على تجسيد مجسمات للمنتجات التي تنتهك حق التنقل، بحجم يتناسب مع حجم الدمية، وقام بتصويرها وهي تتعرض لهذه الانتهاكات،  بلدوزر يهدم منزلها،  طائرة استطلاع  فوق منزلها، أجهزة تراقبها أثناء سيرها.

يقدم الفنان أبو سل رسالة من خلال مشروعه الفني، مفادها الاعتراض الواضح والصريح لهذه الانتهاكات اللا إنسانية، مؤكدًا أنه نفسه، حرم من المشاركة في العديد من الفعاليات الخارجية بسبب انتهاكات حق التنقل، وإجراءات السفر المعقدة، التي تستنفذ الوقت المحدد للمعارض الخارجية، "ونسبة مشاركتي الفعلية في هذه الفعاليات وفقًا للدعوات التي تصلني، لا تتجاوز 10%".