الاقتصاد الفلسطيني... 2021 تتمة لسنواتٍ عجاف!
تاريخ النشر : 2021-12-29 14:09

رام الله : 

لم تكن الأزمة الأخيرة التي يختتم بها القطاع العام الفلسطيني سنة 2021، والتي أفضت إلى صرف رواتب مجزوءة للموظفين، إلا تتمة لسنوات عجاف ألقت بثقلها على الفلسطينيين عامة، لكنّها قصمت ظهر الفقراء خاصة.

وتظهر مؤشرات أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال 2021، تعافيا تدريجيا في ظل انكسار المنحنى الوبائي، حيث يسجل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا بحوالي 6% مدفوعا بارتفاع الاستهلاك والاستثمار، وازدياد نصيب الفرد الإجمالي بنسبة 3.5%، وارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 10% مقارنة مع 2020.

إلا أن هذه الاحصاءات لا تعكس مستوى الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية والتي ظلت الحدث الثابت في 2021، وترافقت مع ارتفاع الدين العام إلى 12 مليار شيقل، ومتأخرات متراكمة للقطاع الخاص بقيمة 18 مليار شيقل.

ورغم إعلان رئيس الحكومة محمد اشتية أن السلطة تعول على "الأشقاء العرب" لمساعدتها في الخروج من الأزمة، ومخاطبة الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع المانحين ببروكسل منتصف نوفمبر، لدعم الشعب الفلسطيني. استمرت الأزمة مما دفع الحكومة للاقتطاع من رواتب الموظفين العموميين بنسبة 25% من قيمة الراتب.

وعلى الرغم من أن فاتورة الرواتب والأجور في القطاع المدني  تعتبر أعلى البنود، إلا أن هذا البند يحمل الكثير من التفاصيل والتعقيدات، لتحديد ما الذي يجب تخفيضه حتى يكون التقشف واقعيا ومتبنيا لأسس العدالة الاقتصادية والاجتماعية. حيث يبلغ متوسط الأجر الشهري للموظف المدني 3480 شيكل، وبالتالي لا يمكن الدفاع عن هذا الخيار في ظل تدنيها مقارنة بتكاليف المعيشة العالية.

السبب الأساسي

لكن الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية إياد الرياحي، يقول إن للأزمة المالية أسبابا رئيسية غير انقطاع الدعم الخارجي، حيث "يجب مراجعة هيكلية الموازنة العامة، ضريبة القيمة المضافة هي الممول الرئيس لخزينة السلطة بحوالي 80% من ايراداتها، وهي في معظمها تأتي من تحويلات المقاصة الخاضعة للاحتلال، وانقطاعها هو السبب الأساسي، بالنظر لتأثر مالية السلطة بالعلاقات والهزّات السياسية".

ويؤكد الباحث أن حل الأزمة المالية لا يكون إلا بأن " نتعامل كدولة تحت احتلال وأن نراجع موازناتنا ونقيّم أين يتم الانفاق وما الهدف من كل بند من بنوده بجميع مؤسسات قطاع العام، واتخاذ قرارات بإلغائها أو دمجها، بما يوفر الايجارات والمصاريف التشغيلية".

تصل هيكلية الرواتب لبعض المؤسسات الحكومية إلى 20 ضعف هيكليتها في الأردن مثلا، مما يؤكد أننا بحاجة إلى وقفة مساءلة

من جهتها، تشدد استاذة العلوم الاقتصادية والمصرفية في جامعة القدس، د. عروبة البرغوثي على ضرورة "ضبط النفقات".." إذ تصل هيكلية الرواتب لبعض المؤسسات الحكومية إلى 20 ضعف هيكليتها في الأردن مثلا، مما يؤكد أننا بحاجة إلى وقفة مساءلة".

وتذكر البرغوثي أن المس بصندوق الاستثمار الفلسطيني الذي " كان يجب أن تستثمر احتياطاته في سندات قصيرة الأجل بدون مخاطرة، وكان الراحل ياسر عرفات يعتمد عليه في سد عجز السلطة"، قلل من قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها.

كما تشير إلى "تشوه الإطار الضريبي الفلسطيني" حيث تعتمد الخزينة العامة على ضريبة القيمة المضافة والضرائب المفروضة على الأفراد وليس الشركات، وبالتالي يجب " إعادة تنظيم التشريعات الضريبية لتكن أكثر عدالة وجدوى بدلا من زيادة العبء الضريبي على الأفراد".

إلغاء الانتخابات

أثّر إلغاء الانتخابات على الكثير من القوانين الاقتصادية التي تحتاج لإعادة نظر لتكييفها بما يلائم الحالة المتجددة، وعلى رأسها قانون الشركات والاستثمار والضرائب والاعفاءات الجمركية والضمان الاجتماعي، الذي ينعكس بشكل مباشر على المواطن وعلى نظام الحماية الاجتماعية.

تقول البرغوثي إن غياب التشريعي طيلة السنوات الماضية سمح للسلطة التنفيذية بالعمل دون تقييم، "ويجب تفعيل عمل المحكمة الدستورية لتنظم الاقتصاد بشكل معياري بعيدا عن العفوية، وعن تأثير مراكز القوى".

حرب رابعة على غزة

خسائر اقتصادية فادحة خلفتها حرب استمرت 11 يوما على قطاع غزة، تعمّدت اسرائيل خلالها تدمير ما تبقى من مقومات اقتصادية صمدت رغم الحروب السابقة والحصار والجائحة.

وحسب تقرير اللجنة الحكومية لإعمار غزة، فإن اجمالي الخسائر (المباشرة) للعدوان الأخير بلغ نحو 479 مليون دولار أمريكي، توزعت بين 3 قطاعات: الإسكان والبنية التحية التي بلغت قيمة خسائرها 292.4 مليون دولار، وثاني القطاعات هي التنمية الاقتصادية وبلغت خسائرها 156 مليون دولار، وثالثها التنمية الاجتماعية بقيمة 30 مليون دولار.

ورغم هول الخسائر، إلا أن التعقيدات سادت عملية إعادة الإعمار. ويشير الرياحي أن " ملف إعادة الإعمار تعرض لابتزاز سياسي"، وتم استخدامه من أطراف عديدة، كما أن "غياب آليات الاستجابة السريعة في إعادة الإعمار ينعكس بواقع اقتصادي مرير على أهل غزة، يساهم به أيضا الحصار المفروض منذ 15 عاما".

عودة خجولة للمساعدات

تظهر الإحصاءات الرسمية أن المنح والمساعدات الخارجية انخفضت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، لتصل إلى 245 مليون شيقل في النصف الأول من 2021، وبنسبة 11% من إجمالي المساعدات المقدرة بداية العام. الأمر الذي دفع السلطة إلى تمويل موازنتها بالاستدانة من القطاع المصرفي، واستخدام الممارسة غير النظامية؛ أي زيادة المتأخرات لموردي القطاع الخاص وصندوق التقاعد العام، واقتطاع الرواتب، ما يساهم في تقويض قدرة المواطنين الشرائية والمعيشية.

بلغت قيمة الدعم الأمريكي لوزارة المالية الفلسطينية فقط 32.3 مليون دولار في شهر أكتوبر، وخُصصت لدعم مستشفيات القدس

وتصل المساعدات الدولية لفلسطين عبر: وزارة المالية، وكالة الأمم المتحدة لتشغيل اللاجئين، مؤسسات المجتمع المدني. ورغم الاعلان عن مساعدات أميركية للفلسطينين بعد فوز جو بايدن في الانتخابات، إلا أن استئنافها يبدو أنه سيقيد بقوانين أهمها: قانون "آتكا" الذي يجعل متلقي المساعدات الأميركية تحت الولاية القضائية الأميركية، ما يعني تعرض السلطة لملاحقات قانونية، وقانون "تايلور فورس" الخاص برواتب الأسرى وأهالي الشهداء.

وبلغت قيمة الدعم الأمريكي لوزارة المالية الفلسطينية فقط 32.3 مليون دولار في شهر أكتوبر، وخُصصت لدعم مستشفيات القدس.

اقتراض السلطة من الإحتلال

رغم أن الهدف الأول في الاستراتيجية القطاعية لوزارة الاقتصاد 2021-2023 هو بناء اقتصاد فلسطيني مستقل، إلا أن إحدى الخطوات التي لجأت لها الحكومة لإدارة الأزمة المالية في 2021 هي الاقتراض من اسرائيل.

وبلغت قيمة القرض نصف مليار شيقل، وهو يوازي قيمة الخصم من المقاصة بسبب استمرار السلطة في دفع رواتب الأسرى. وجاء ذلك رغم وجود خيارات أخرى للسلطة كإغلاق قنوات التسرب المالي من خزينتها، أو التهرب الضريبي، أو ترشيد النفقات التشغيلية، وهي ملفات -إن تم العمل- عليها ستوفر ايرادات تفوق قيمة القرض الاسرائيلي، بحسب المحللين.

اغتراب الفقراء في وطنهم

بعد عامين من أزمة كورونا، وحرب غزة الرابعة وتأثيراتها المأساوية على معيشة ودخل السكان وخاصة الفئات المهمشة والفقيرة، صرفت الحكومة في 2021 دفعة واحدة بغير موعدها من أصل 4 دفعات من مخصصات التنمية الإجتماعية للعائلات الأكثر فقرا.

يقول الرياحي ان الحكومة " تخلت عن واجباتها تجاه الأسر الفقيرة، ولم يوضع هذا البرنامج على رأس أولوياتها، وبالتالي فشلت في ضمان استدامة برنامج من أبسط حقوق العائلات الفقيرة". كما وصفته البرغوثي بأنه " اقتطاع من اللحم الحي" .. وكان يجب اللجوء لتخفيض النفقات الأقل أولوية".

ارتفاع أسعار السلع وتراجع الدولار

ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل عام في الضفة الغربية وقطاع غزة، مثل الأرز والسكر والدقيق، بسبب ارتفاع أسعار الشحن العالمية إلى 6 أضعاف ما قبل الجائحة، وتراجع القدرات الصناعية عند الدول الموردة لهذه السلع، كما ارتفع سعر الزيوت النباتية لقلة الانتاج من المصدر الأساسي.

 ومع نهاية العام، وصل الشيكل إلى أعلى مستوى له منذ 25 عاما. وتؤثر قوة الشيكل بشكل ايجابي على الذين يجرون عمليات الشراء من الخارج أو يتبادلون العملات، لكنها أضرّت بالمصدّرين، وبالتالي يُخشى من إغلاق خطوط انتاج أو تسريح عمال.

"تباطؤ النمو" عنوان 2022:

عالميا، تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع مستوى عدم اليقين حول السرعة التي يمكن بها التغلب على الجائحة نظرا لظهور سلالات جديدة سريعة الانتشار، وانخفاض بدائل سياسات التعافي لدى الدول.

وأصدر المركز الفلسطيني للاحصاء توقعات 2022 مشيرا لافتراض استمرار تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، وانحسار حالة عدم اليقين المرتبطة بجائحة كورونا، واستمرار الأزمة المالية للحكومة، وتواصل اقتطاع الاحتلال من المقاصة، وعدم الوصول إلى مصالحة نهائية بين الأطراف الفلسطينية، مع تحسّن طفيف للعلاقات الأمريكية الفلسطينية، وكذلك استمرار امتناع بعض الدول المانحة عن تقديم المساعدات:

آفاق الاقتصاد الفلسطيني 2022

الناتج المحلي الاجمالي: يشير تقرير الجهاز المركزي للإحصاء إلى توقع نمو في قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2022 بحوالي 3%.

كما يتوقع خبراء تحسن اقتصادي نتيجة تنفيذ بعض التعهدات التي صدرت عن اللجنة الفلسطينية الأمريكية، واستكمال عمليات إعادة إعمار غزة بفعل المساعدات القطرية والمصرية، ومؤخرا الألمانية. لكن يتوقع أن لا يؤثر هذا على  نصيب الفرد من الدخل الإجمالي بأخذ زيادة عدد السكان الطبيعية بالحسبان، وارتفاع قيمة إجمالي الاستثمار مقارنة مع العام 2021.

لا يوجد أية معالم لنهاية الأزمة المالية، نظرا لأثر البعد السياسي على الأزمة المالية المرتبطة بالتفاهمات بين السلطة والأطراف الأوروبية أو الأمريكية

الأزمة المالية: لا يوجد أية معالم لنهاية الأزمة المالية، نظرا لأثر البعد السياسي على الأزمة المالية المرتبطة بالتفاهمات بين السلطة والأطراف الأوروبية أو الأمريكية.

لكن يمكن الربط بين عودة مساعدات الاتحاد الأوروبي في نهاية الربع الأول من 2022 وبين تخفيف الأزمة المالية، وقد يشهد النصف الثاني من 2022 تحسنا أوضح مقارنة بالأول، لتتسارع وتيرة النمو والاستقرار النسبي في الأسعار، مع زيادة عدد المُطعمين.

المساعدات الخارجية مرتبطة بأولويات الدول، وحاليا تعلن العديد منها عن أزمات مرتبطة بفيروس كورونا

تقول د. برغوثي إن المساعدات الخارجية مرتبطة بأولويات الدول، وحاليا تعلن العديد منها عن أزمات مرتبطة بفيروس كورونا، لذا لا نتوقع عودة قوية للمساعدات في 2022، وإن عادت فستكون مشروطة ومرتبطة ببرامج لا تدعم صمود الفلسطيني في أرضه.

ويلاحظ أن الفلسفة التي يتبعها المجتمع الدولي في اعتماد السلام الاقتصادي بديلا للصراع السياسي، تؤثر على اقتصاد الضفة الغربية وغزة بشكل مباشر، حيث تعمل على معاقبة المقاومين والرافضين للعملية السلمية، ومكافأة المنخرطين فيها.

تقول البرغوثي إذا ما تم أخذ حزمة من الاجراءات الإدارية والمالية يمكن أن تخف الأزمة، ولكنها لن تُحل نهائيا طالما استمرت السلطة في الاعتماد على ايرادات المقاصة، والمساعدات الدولية. وبالتالي فإن الإجراءات التي يمكن للحكومة أن تعمل عليها لحل الأزمة محدودة، فلا يمكن في الوضع الحالي اللجوء إلى زيادة الضرائب نظرا لحالة الانكماش والركود بعد كورونا، لذا لا بد أن تكون الاجراءات في إطار خفض النفقات.

السياسات العمالية: من المقرر رفع الحد الادنى للأجور الذي تم التوافق عليه بقيمة 1880 شيكل، ابتداء من 1/1/2022، والذي سيؤثر على موظفي القطاع الحكومي، أما القطاع الخاص فهو غير قادر على تحمل تكاليف إضافية للانتاج، وبالتالي فإن تطبيق الحد الأدنى للأجور يمكن أن يجبر القطاع الخاص على تخفيض العمالة.

استمرار تحدي البطالة والفقر

يُتوقع أن يزداد معدل البطالة في 2022، بازياد أعداد الخريجين وعدم قدرة الاقتصاد الفلسطيني على استيعابهم، ويرجّح انخفاض نسبة الفقر اذا تم تطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل ملزم لكل المؤسسات الخاصة والحكومية.

وفيما يتعلق بأثر السياسات المالية، ما زالت الشرائح الضريبية المطبقة في فلسطين لا تراعي مستويات الدخل المنخفض وبالتالي تفاقم مستويات الفقر، فهذه السياسات مجحفة للأفراد الذين يساهمون بالنسبة الأكبر من ايرادات الحكومة.

ولكن، لا تُتوقع تغييرات كبيرة على النظام الضريبي في 2022، إلا إذا  أقرت مسودة ضريبة القيمة المضافة التي بحسب الرياحي " ستؤدي إلى فرض ضريبة على المنح والتبرعات وبالتالي سوف يمس بشكل كبير من قدرة الجمعيات والمؤسسات الأهلية على العمل، كما سترفع من تكلفة المصاريف الإدارية لتلك المنح على حساب المنتفعين من تلك الخدمات، وسيؤثر سلباً على برامج المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها العديد من مؤسسات القطاع الخاص".

" يمكن للقرّاء الاطلاع على حصاد الاقتصاد الفلسطيني في العام 2021، مفصلاً على الرابط التالي: إضغط هنا