أسيرات فلسطينيات.. ثلاث قصص مفتوحة على الألم!
تاريخ النشر : 2021-10-22 14:58

ميرفت صادق-رام الله

شبكة نوى

عند الإفراج عنها من اعتقال استمر عاما كاملا سجون الاحتلال الإسرائيلي، بأغسطس/آب 2017، لم يتعرف "حمزة" ابن الأسيرة المقدسية دلال أبو الهوى عليها، فقد تركته رضيعا ابن 8 شهور، وصار ينادي شقيقته الكبرى "ماما". واليوم، بعد خمس سنوات من ذلك، لا زالت تعاني الأم من آثار الاعتقال النفسية والاجتماعية.

قرر الاحتلال إبعاد الأسيرة أبو الهوى ( 43 عاما) عن عائلتها في القدس، للسكن خارجها، وقبل شهور أصيبت بانهيار عصبي، وأبلغ طبيب العائلة أنها بحاجة لتدخل نفسي عاجل. وكانت إحدى المنخرطات في برنامج للدعم النفسي للأسيرات بدأته مؤخرا مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان بالتعاون بعدة مناطق في الضفة الغربية.

تقول أبو الهوى إنها تعاني من اكتئاب شديد وشعور بالوحدة والعزلة، إذ لا تستطيع الاجتماع بعائلتها إلا مرة واحدة نهاية كل أسبوع بسبب إبعادها. كما أن الوضع الاقتصادي السيئ للعائلة لا يمكّنها من الحصول على علاج نفسي على نفقتها.

إنها واحدة من عدة أسيرات سابقات اشتكين من عدم توفّر برامج دعم نفسي في هيئة شؤون الأسرى أو المؤسسات الرسمية. رغم التداعيات القاسية التي يخلّفها الاعتقال وآثاره الاجتماعية عليهن.

سؤال عن قيمة الذات

تقول الأسيرة السابقة سلام أبو شرار إن الاعتقال ونتائجه صعب في العموم، ولكن تفاصيل وتأثيراتها تختلف من أسيرة لأخرى، فمثلا معاناة الأمهات اللواتي فصلن عن أطفالهن هي الأسوأ.

"كنت أشاهد الإفراج عن نسرين أبو كميل بغزة وأبكي، رأيت فجوة كبيرة بينها وبين أطفالها عمرها ست سنوات (فترة سجنها) حيث لم يسمح الاحتلال بردم هذه الفجوة، أو جزء منها، عبر الزيارات أو الاتصال الهاتفي"، ثم تضيف أبو شرار:" ستواجه نسرين أياما صعبة نفسيا".

تتحدث أبو شرار بألم وتقول إن نسرين وعائلتها بحاجة لوعي هائل كي يتجاوزوا آثار اعتقالها وعودتها كأم وزوجة، وهي بحاجة لقدرة تحمّل وتكيف عالية، وستكون بحاجة لدعم اختصاصيين ربما لن تجده، كما كثير من الأسيرات.

قضت أبو شرار نحو عام في الأسر وأفرج عنها عام 2017، وتقول إن معظم الأسيرات المفرج عنهن يعانين من مشاعر القلق والخوف وملازمة ذكريات السجن لهن حتى بعد سنوات طويلة من تحررهن.

وهي التي "أحيانا لا استطيع الفصل بين الحياة خارج السجن وداخله. وكنت أخوض جدلا مع ذاتي كي أقنعها بأن السجن انتهى، وأن المشاهد التي تعود إليّ هي مجرد صور في الذاكرة". هُنا تقسم أبو شرار معاناتها، التي تنسحب على كثير من الأسيرات إلى شقين: الذكريات، وتحدي المجتمع.

في الذكريات، تقول إن رائحةً ما أو صوت حركة حول المنزل وخاصة ليلا، تصيبها بالخوف والتوتر، لأنها تعود لمشهد اعتقالها.  وتضيف :"إجمالا التعرض لمؤثرات مشابهة لمرحلة السجن هو أمر شائع عند معظم النساء اللواتي خضن الاعتقال، ويضغط جدا على أوضاعهن النفسية".

أما الشق الاجتماعي " فهو الأكثر مأساوية" كما تقول أبو شرار. "فنظرة التقدير للأسيرات قد تكون قليلة ومحصورة في فئة المناضلين والطبقة المثقفة أحيانا". لكن قطاع واسع من المجتمع "يطرح أسئلة جارحة"، أو يقوم بتحييد هذه الإنسانة وكأنه " انحرق كرتها".

تقول أبو شرار إن معظم الأسيرات يتعرض لاستبعاد من فرص العمل، وتتراجع فرص بعضهن في الزواج. وبسبب كل هذا، "تدخل الأسيرة في صراع حول قيمة ذاتها"، ولماذا يعاملها المجتمع بلوْم بينما اعتقلت على خلفية وطنية غالبا؟.

 

رقابة وقوالب ضاغطة

أمّا الأسيرة نجوان عودة من مدينة البيرة، فاعتقلت في سبتمبر/أيلول 2015 ولمدة عام ونصف. وبعد خمس سنوات من الإفراج عنها لا زالت تعاني من رُهاب السيارات، وفي إحدى جلسات التفريغ النفسي علمت إن ذلك يعود لتجربته السيئة في سيارة نقل الأسرى " البوسطة" التي نُقلت بها مع أسرى اسرائيليين جنائيين أكثر من 40 مرة من السجن إلى المحاكم.

تقول نجوان:" كنت أمضي ثلاثة أيام مقيدة في بوسطات حديدية متعددة مع سجناء جنائيين يوجهون لنا الشتائم ويحاولون التحرش بنا، وترك ذلك لدي آثارا صحية ونفسية سيئة".

بعد الإفراج عنها " كنت بفكر إن هناك جهات ستتوجه لتقديم الدعم النفسي لي، وأنني سأجد تأهيلا لما بعد الأسر..لكنني لم أجد أي برنامج مهني منظّم خاص بذلك". و" لقيت أن الأسير يضع في قالب البطل.. وتفرض عليه رقابة ضاغطة حول تحركاته وكلامه ومع من يتواصل".

الأصعب في حالة نجوان أن اعتقالها جاء ضمن قضية سياسية خاصة بجهة عملها " لم أعتقل لنشاط خاص بي، بل ضمن حملة على الجمعية التي عملت بها، وبعد الإفراج فقدت مسيرتي المهنية التي عملت بها 12 عاما، وعدت للصفر.. هذا تسبب لي بصدمة".

تقول نجوان إن معاناتها النفسية تعمّقت عندما بدأت بالبحث عن عمل ولم تجد أي فرصة مناسبة رغم إنها تحمل درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب وماجستير في الإدارة. بل كانت مؤسسات كثيرة ترفض توظيفها لأنها مرت بتجربة الأسر. قالت:" كنت أعتقد أن الأسرى يتم احتضانهم".

وحسب نجوان، تواجه الأسيرات النساء وضعا أصعب من الذكور لأن أحكامهم غالبا أقل من عامين، وبالتالي ليس لهن أي مخصص شهري ثابت من هيئة شؤون الأسرى، فيما الأسرى الذين يمضون خمس سنوات فأكثر لهم راتب ثابت حسب القانون.

تقول إن عددا كبيرا من المؤسسات ترفض توظيف الأسيرات والأسرى خشية توقف تمويل مشاريعها من المانحين الأجانب خاصة. و" الآن راتبي نصف ما كنت أتقاضى سابقا".

إلى جانب ذلك، تقول نجوان إن الدعم العائلي هام جدا، لكن كثير من الأُسر لا تتفهم معاناة الأسيرات النفسية، حتى أنها لا تستمع لرواية ابنتها عن تجارب السجن لاعتقادها أن الحديث فيه يؤذيها، فيما الأسيرة بحاجة لتفريغ. عدا عن أن طلب الدعم النفسي في مجتمعاتنا عامةً أمر صعب لأنه يترك " وصمة".

وهي أيضا واجهت مشكلة في تراجع فرصها بالزواج، تقول: " لأن الشباب وأهلهم بخافوا منا، والكثير يعتقدون أننا عُرضة لإعادة الاعتقال مرات أخرى". إلى جانب ذلك يعتقد البعض أن الأسيرات تعرضن للاعتداء أو التحرش أو التعذيب الذي قد يفقدهن فرصة الإنجاب.